حرق القرآن عملية هامشية

لا تمثل فكرة حرق القرآن الكريم التي دعت إليها كنيسة أميركية شيئا يعتد به أو يصلح للاستنتاج حول صراع الحضارات والأديان أو الثقافات والدول، فهي لا تعبر أبدا عن المسيحية ولا عن الدول والمجتمعات الغربية والمسيحية، ولو نظرنا إلى حجم الحوار والتعاون والتعايش الإسلامي المسيحي في الغرب والأمثلة الكبيرة جدا على ذلك فلا يمكن أن تقارن معها بشيء دعوة مشرف على كنيسة محلية صغيرة في فلوريدا لحرق القرآن الكريم، ومن المعلوم عن المسيحية البروتستانتية أنها لا تنشئ مؤسسات كبرى ذات مرجعية وإشراف على أتباعها، كما تفعل الكنيسة الكاثوليكية، حيث تنظم الفاتيكان وتشرف على الكنائس الكاثوليكية التي يتبعها أكثر من بليون مسيحي، أو الكنيسة الأرثوذكسية التي تشرف وتنظم العمل الديني لحوالي نصف بليون مسيحي ارثوذكسي، ولكن في الولايات المتحدة بخاصة يتجمع اي عدد من الناس وينشئون كنيستهم بلا مرجعية أو إشراف ولا تدخل من أي جهة أخرى منظمة، ولذلك فإن الحديث عن كنيسة دوف لا يعبر إلا عن توجه عدد محدود جدا من الناس، ولولا الانفتاح الإعلامي السائد لربما كانت حادثة محلية صغيرة لا يعرف عنها سوى المجتمع المحلي المحيط بها.

والواقع أن الحادثة أخذت اهتماما إعلاميا كبيرا جدا، وفي المقابل فإن حوادث أخرى بالغة الأهمية والجمال لم تحظ باهتمام معقول برغم عمق أثرها وجمالها، مثل الكنائس التي افسحت المجال للمسلمين لأداء صلاة التراويح والجمعة والعيد، او تدريس الدين الإسلامي في المدارس الأوروبية والأميركية، والاعتراف الرسمي الواسع بالمسلمين والإسلام في دول الغرب، وهي امثلة نحتاج نحن المسلمين إلى توقف طويل أمامها، ونتساءل عن مدى استعدادنا للسماح للمسيحيين بأداء الصلاة في المساجد، أو إفساح المجال لرجال دين مسيحيين للمشاركة في برامج وأنشطة مشتركة في المساجد، أو تقديم محاضرات ومواعظ كما يقدم مسلمون كثيرون محاضرات لجمهور الكنيسة من المصلين المسيحيين، ومنح المسيحيين في الدول والمجتمعات العربية والإسلامية الحرية الدينية الكاملة لممارسة شعائرهم وبناء كنائسهم وتعليم المسيحية في المدارس القائمة في الدول العربية والإسلامية، وهذا هو الرد المناسب على أمثال تيري جونز وكنيسة دوف، وليس التصعيد الإعلامي والاستفزاز والتهويل، وتحويل القصة إلى حرب دينية وحضارية وسياسية شاملة، فذلك يشبه إطلاق صاروخ كروز على ذبابة.

اضافة اعلان

ليست هذه المقالة انكارا للصراع والاستعمار والاحتلال والظلم الواقع على كثير من العرب والمسلمين على يد دول غربية، ولكن إدراج ذلك الصراع في حرب دينية ليس صحيحا، حتى لو اعتبرها جزءا من الغرب كذلك، لأنه الغرب نفسه الذي ساعد المسلمين في كوسوفا والبوسنة ضد المسيحيين الصرب.

[email protected]