حرية الإعلام في الأردن مرة أخرى

وزير الدولة لشؤون الإعلام الدكتور محمد المومني مطالب اليوم أكثر من أي وقت بالمضي ببرنامج جدي لإصلاح الإعلام ودعم حريته واستقلاليته، فالأردن على موعد في شهر تشرين الأول (أكتوبر) المقبل مع مناقشة تقريره المقدم للجنة المعنية بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في الأمم المتحدة، وتبرز المادة (19) التي تؤسس لحرية التعبير والإعلام على رأس الأولويات التي ستُسأل عنها الحكومة.اضافة اعلان
وفي تشرين الأول (أكتوبر) العام 2018 سيعود الأردن بعد مضي أكثر من أربع سنوات للاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان في "جنيف" لمواجهة "جردة حساب" بما أُنجز في هذا الملف بعد أن تعهد بإنفاذ 126 توصية في آخر مراجعة له العام 2013.
يملك الأردن فرصاً ذهبية لينجو من تصنيف العالم له بأنه دولة "غير ديمقراطية" أو دولة "غير حرة"، وفي أحسن الأحوال "حرة جزئياً"، فالخطوات المطلوبة ليست مستحيلة، ويمكن تحقيقها بيسر إن توفرت الإرادة السياسية، فالتغيير في الإعلام لمصلحة الأردن قبل كل شيء، ولا يذهب بلدنا في هذا الاتجاه لتحسين صورته وسمعته دولياً فقط.
قبل أيام صدر تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" ليشير الى أن الأردن تراجع ثلاث درجات على مؤشر الحريات الإعلامية العام 2016 واحتل المرتبة 138.
تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" الدولية يقول إن وسائل الإعلام تحرص على مراعاة القيود التي تضعها السلطات الرسمية، مشيراً الى أن الصحفيين يخضعون لمراقبة وثيقة من الأجهزة الأمنية ورقابة نقابة الصحفيين التي وصفها التقرير بأنها تحت سيطرة الأجهزة الرسمية.
تقرير مركز حماية وحرية الصحفيين للعام 2016 والذي أُطلق قبل أيام بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة حمل عنوان "مُنع من النشر" في إشارة صريحة إلى تعاميم حظر النشر التي قيدت حرية الإعلام العام 2016 وسجلت تطوراً سلبياً غير مسبوق لتقييد الصحافة وفرض رقابة مسبقة عليها.
وفي ذات الوقت سجل التقرير وقوع 135 انتهاكاً ضد الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، في تزايد ملحوظ عن العام 2015، والسبب لهذا الارتفاع بالانتهاكات يعود الى التجاوزات والمضايقات التي ارتُكبت بحق الإعلاميين يوم الانتخاب في 20 أيلول (سبتمبر)، حيث سُجّل بهذا اليوم 48 انتهاكاً.
تقرير الحريات الإعلامية للعام 2016 الذي يصدره مركز حماية وحرية الصحفيين منذ 16 عاماً بانتظام يكشف بوضوح عن حالة الإحباط التي يعيشها الصحفيون، فهم مقتنعون بأن حالة الحريات الإعلامية تتراجع ولا تتقدم، وفي أحسن الأحوال تظل تراوح في ذات المكان، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن من يرى بأن الحريات تقدمت بشكل كبير لا تتجاوز نسبتهم 3.4 %، في حين من يعتقد بأنها تراجعت بشكل كبير تبلغ نسبتهم 16.9 %، وهذا يستمر حين يُسأل الصحفيون كيف يصفون حالة الحريات الإعلامية، فمن قال بأنها متدنية وصل الى 27.1 % ومن وصفها بأنها ممتازة لم يتجاوز 1.5 %.
لو أرادت الحكومة والأجهزة الأمنية أن تتجاوز المشكلات لفعلت ذلك، فالمطلوب تعديل التشريعات لتصبح ضامنة للحريات بدلاً من أن تكون أداة تقييد، والمطلوب وقف كل أشكال التدخل بالإعلام، والمطلوب وقف الانتهاكات التي تقع على الإعلاميين، وأغلبها تقع عند الاحتكاك في مناطق التوتر والأحداث الكبيرة، وهذا يُحل بـ"بروتوكول" واضح يحدد آليات التعامل مع الإعلام لضمان عمله المستقل دون الإخلال بمتطلبات الأمن.
خريطة الطريق تعرفها الحكومة ويعرفها الوزير المومني تماماً بعد أن أمضى سنوات في موقعه، وحتى لا نُغلّب نظرة التشاؤم على حالتنا، فأنا ما أزال مقتنعاً رغم النكسات أحياناً، والحصار والتضييق والتجاهل أحياناً أخرى، بأن الأردن ما يزال يملك فرصة تاريخية ليخط طريقاً مختلفاً عن الإقليم الذي يعاني الحرائق والتسلط والاستبداد وانتهاكات حقوق الإنسان.
وأنا مقتنع بأن الأردن مختلف عن دول الجوار الغارق بعضها بالفوضى والحروب، فالنظام يملك شرعية مستقرة وثابتة ولا توجد خصومة بينه وبين الناس، ولا يفصله عن شعبه دم، وأوراق الملك النقاشية، خصوصا حديثه الحاسم والواضح عن سيادة القانون والمواطنة والدولة المدنية مفتاح الحل لاستعادة خريطة الطريق نحو تجذير حقوق الإنسان وصون واحترام حرية التعبير والإعلام.
ليست معادلة صحيحة أن نرى الأمن على التضاد مع حقوق الإنسان، فهذا منطق أعوج أثبتت الأيام أنه فرضية ساقطة، فنحن لا نريد أن نفرّط بالأمن بمعناه الشمولي، أمن الوطن، وأمن الإنسان، وهذا التمسك لا يعني أبداً التهاون أو التفريط بحقوق الإنسان وحرياته.