حزامة حبايب تترجم كتاب "من التائه" لجلعاد عتسمون

غلاف الكتاب - (من المصدر)
غلاف الكتاب - (من المصدر)

عمان- رأت الروائية والقاصة حزامة حبايب أن كتاب "من التائه؟" الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، لفنان الجاز العالمي جلعاد عتسمون، يقدِّم "نقداً قاسياً للهوية والسياسة اليهوديَّتين"، متوقفاً عند "السمة "القَبَلية" للهوية اليهودية التي أسهمت في تعزيز الصفة العنصرية الاستعلائية وإثنية التمحور لليهودية".اضافة اعلان
وأضافت حبايب التي ترجمت الكتاب من الإنجليزية إلى العربية، أن عتسمون يقدِّم "سردا شائقا وآسرا لرحلته من قومي إسرائيلي متطرف إلى مواطن للإنسانية تجرد من الصهيونية، وبات مدافعا متحمسا عن العدالة من أجل الشعب الفلسطيني".
وأكدت انها قصة تحول يرويها "بنزاهة مطلقة"، حيث يتعين على كل أولئك "خصوصا اليهود" المهتمين بالسلام، والمعنيين بهويتهم الخاصة، "ألا يقرؤوا الكتاب فحسب، وإنما يتأملونه ويناقشونه على نحو واسع".
يقول عتسمون في خاتمة الكتاب "احتجت بعض الوقت قبل أن أدرك بأن مشروعي الإحيائي التاريخي كان في الواقع سلسلة من البقع العمياء. لقد استغرق الأمر منّي سنوات كثيرة كي أفهم أنني أنا نفسي كنت بقعة عمياء. أذكر زيارتي المدرسية، حين كنت طالبا في الثانوية، إلى يا فاشيم، متحف الهولوكوست الإسرائيلي في القدس الكائن بالقرب من دير ياسين، وهي قرية فلسطينية تم محو سكانها في العام 1948، كنت في الرابعة عشرة من عمري يوم زرت المتحف، سألت المرشدة العاطفية ما إذا كان بإمكانها أن تفسر حقيقة أن كثيرا من الأوروبيين كانوا يكنّون قدرا كبيرا من البغضاء لليهود في أماكن عدة في الوقت عينه. فتم فصلي من المدرسة مدة أسبوع. ويبدو أنّني لم أتعلم الدرس اللازم، ذلك أننا حين درسنا "فرية الدم" في القرون الوسطى، تساءلت ثانية، بصوت مرتفع، كيف للمدرس أن يعلم أن هذه الاتهامات لليهود بأنهم كانوا يقومون بصنع خبز الفطير "متساه" من دماء أطفال الأغيار كانت فعليا باطلة أو لا أساس لها. مرة أخرى، تم فصلي من المدرسة مدة أسبوع. في سني مراهقتي، كنت أنفق معظم صباحاتي في البيت بدلا من الوجود في الصف المدرسي".
يتناول الكتاب أربعة محاور الأول بعنوان "الهوية مقابل التماهي"، ويتحدث عن "الحق في التوضيح، انكماش ائتماني أم لكمة صهيونية، الصهيونية وأفكار هامشية أخرى، الصابرا والمستوطن ويهودي الدياسبورا، فاغن مقابل آينشتاين، فكر قبليا وتحدث عالميا، وديالكتيك النفي".
ويتناول عتسمون في المحور الثاني وهو بعنوان "اللاوعي هو خطاب الغوييم"، ويتحدث عن "مائة عام من العزلة اليهودية، اللاوعي اليهودي هو خطاب الغوييم، اليهودي الصاحل، الجنس ومعاداة السامية، إرتس يسرائيل مقابل الغالوت، حق تقرير المصير: تمرين زائف في العالمية، استحضار ميلتون فريدمان، قائمة المحتال".
وفي المحور الثالث وهو بعنوان "التاريخانية والوقائع مقابل الخيال والوهم"، يتحدث عتسمون عن:"ملكة الصدمة، من التائه؟، من البوريم إلى أيباك، سفر أتسير"، وفي المحور الرابع وهو بعنوان "الوصل بين النقاط: يستعرض عتسمون "التبرعات ومراكز الأبحاث والمؤسسات الإعلامية، الحقيقة والتاريخ والنزاهة، الوجود في الزمن".
يطرح الكتاب جملة قضايا للنقاش؛ فيعاين سياسة الهوية اليهودية والأيديولوجيا المعاصرة اليهودية متكئاً على كلٍّ من الثقافة الشعبية والنصوص العلمية، كما يستعين بالنص اللاهوتي والإحالات التوراتية في تفكيك الأسطورة وتفنيد إسقاطاتها، علاوة على تجريد العديد من المفاهيم من قداستها المزعومة؛ وهي قداسة جعلت مجرد مقاربة بعض تلك المفاهيم يدخل في باب التجديف، الأمر الكفيل في الغالب بوسم المشكِّكين والمتسائلين والباحثين المدقّقين و"النابشين" في عظام التاريخ بتهمة "معاداة السامية" الجاهزة.
وبما أنّ إسرائيل تعرِّف نفسها علناً بوصفها "دولة يهودية"، فإن تساؤلاً أساسياً يستتبع هذا التعريف الحصري والإقصائي، هو: ما الذي تمثّله مفاهيم مثل الديانة اليهودية والأيديولوجيا اليهودية والثقافة اليهودية؟ وفي محاولة عتسمون الإجابة عن هذا التساؤل، يحلِّل الخطاب السياسي والثقافي اليهودي العلماني، الصهيوني والمناهض للصهيونية، وما يتخلّله من جوانب قبلية، كاشفاً التناقضات التي تكتنف ما يوصف بالخطاب اليهودي التقدمي.
ويعدّ جلعاد عتسمون واحداً من أبرز فناني الجاز في العالم، وهو ناقد مثير للجدل للكيان الإسرائيلي، حيث تشكل آراؤه وكتاباته موضع استقطاب بين مؤيد ومعارض، من منظِّري اليمين واليسار على حد سواء. ولد عتسمون في إسرائيل وخدم في الجيش الإسرائيلي لبعض الوقت قبل أن تشهد حياته تحولاً فكريّاً دراماتيكيّاً، فهاجر من دولة الاحتلال واستقر في بريطانيا، ليصبح منذ العام 2002 مواطناً بريطانياً، مكرِّساً وقته للفن والكتابة، فاضحاً في كتاباته ممارسات الدولة العبرية، ومحللاً سياسة الهوية اليهودية.بالنسبة لعتسمون، فإنّ خدمته الوجيزة في الجيش الإسرائيلي، إبّان الاجتياح الإسرائيلي للبنان، شكّلت المنعطف الجذري في حياته؛ فهناك اكتشف، كما يقول، بأنه كان جزءاً من دولة كولونيالية، تأسست على النهب والسلب والتطهير العرقي للسكان الأصليين، أي الفلسطينيين.
ولقد قارن عتسمون، الذي يعرِّف نفسه بأنه "فلسطيني يتكلّم العبرية"، الأيديولوجيا اليهودية بالنازية، كما وصف سياسة إسرائيل إزاء الفلسطينيين بالإبادة الجماعية.