حسابات إسرائيل بشأن الدور الروسي في سورية

أحد معالم تطورات الأزمة السورية الراهنة، اتساع التفاعلات الدولية بشأنها. وقد بات العامل الروسي أساسيا في الأزمة، ويخلط بعض الأوراق، خصوصا بالنسبة للإسرائيليين.اضافة اعلان
لقد كان السؤال حتى وقت قريب حول ما إذا كان يجدر تدخل الغرب عسكريا بشكل مباشر في سورية. وكانت المخاوف الأساسية هي أن يؤدي التدخل إلى تكرار السيناريوهين العراقي والليبي، من حيث انتشار جماعات "القاعدة"، وخروج الأمر عن السيطرة. وأبدت إسرائيل رغبة في استمرار النزيف داخل سورية، مع مراقبة حثيثة للأحداث، وتدخل بين حين وآخر؛ عسكريا وسياسيا. لكن الموقف الروسي، وخصوصا الحديث عن صفقة بطاريات الصورايخ الروسية "أس–300"، ربما يكون نقطة تحول في النقاش.
لدى النظام السوري بالفعل ترسانة صواريخ يستطيع، إن قرر وشاء، استخدامها ضد إسرائيل. لذا، يجب الحذر في تقييم أهمية بطاريات الصواريخ الثلاث الروسية، دون التقليل منها.
وأحد معاني إعلان واشنطن مؤخرا تزويد المعارضة بأسلحة مختلفة، وإعلان روسيا تعزيز القدرات العسكرية للنظام السوري، هو أنّ الطرفين يبدوان كمن يساعد حلفاءه على تعزيز مواقعهم التفاوضية قبل مؤتمر "جنيف2" المحتمل حول سورية الشهر المقبل. فيعزز الأميركيون المعارضة بوجه النظام، فيما يريد الروس توجيه رسالة بأنّ عملا عسكريا دوليا جويا ضد النظام قد لا يكون نزهة كالتي يقوم بها الإسرائيليون بين الحين والآخر.
بالنسبة لإسرائيل، هناك خشية من سيناريو أهم عناصره: أولا، أن يصبح العمل العسكري في سورية غير مضمون النتائج. ثانيا، أن يزيد تزويد حزب الله بالصواريخ والأسلحة؛ سواء الإيرانية أو بجزء من ترسانة سورية من الأسلحة الروسية. وثالثا، أن يزيد حضور إيران في سورية ولبنان بواسطة التواجد الإيراني العسكري المباشر، أو الصواريخ الإيرانية، وبواسطة حلفائها؛ نظام بشار الأسد، وحزب الله، وأن يتسع ميدان المواجهة مع حزب الله بين لبنان وسورية.
حرف الانتباه عن ملف التسوية السياسية مع الفلسطينيين هو هدف دائم لحكومة بنيامين نتنياهو. لذا، فإنّ الحديث عن خطر أسلحة روسية أمر قد يكون مما يستثمره الإسرائيليون، وإثباتا لصورتهم بأنهم يعيشون في خطر دائم. ولكن هذا لا يلغي الخشية من تحالف إيراني–روسي–سوري، فيه حزب الله، يُعقد قدرات إسرائيل على ضرب إيران، وسورية، ولبنان.
لم تصل روسيا في اختبارات عديدة نهاية الشوط؛ لم تصله في العراق أو ليبيا أو غيرهما. في لحظة معنية، تكتفي بقدر محدد من المعارضة. دمشق وطهران بالنسبة لموسكو زبائن سلاح مهمين، وجزء من مصالحها وتحالفاتها في الشرق الأوسط. وقد عاد نتنياهو خائبا من زيارته الأخيرة إلى منتجع سوتشي في روسيا، حيث التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي لم يتراجع عن إعلان العزم نقل صواريخ البطاريات المضادة للطيران إلى سورية.
إن عقد المؤتمر الدولي في جنيف، وما قد يسبقه أو يلحقه، أو يكون بديلا له من لقاءات، قد يتحول إلى مساومة؛ لا تتعلق بمستقبل نظام بشار الأسد، بل بشأن العلاقة بين موسكو والأطراف الدولية. وحرص موسكو على حضور إيران المؤتمر، قد يكون محاولة لرسم خرائط علاقات وتحالفات وتفاهمات وتقاسمات جديدة في المنطقة.
تريد الولايات المتحدة والإسرائيليون تجنب اختلاط الأوراق في المنطقة وسورية؛ يريدون استمرار الوضع القائم حيث النظام السوري يمتنع عن أي مواجهة مع الإسرائيليين، ويتلقى الضربات بدون رد، ولا يريدون رؤية طهران وحلفائها يتمددون قرب الجولان وغيره.  
وجود "القاعدة" والسلفية الجهادية في سورية أصبح أمراً واقعاً، ولكن إسرائيل لم تعان أبدا، حتى اليوم، من هذه الجماعات التي تنشغل عادة بالقضايا الداخلية، وتعزيز سلطتها الاجتماعية، ويؤدي ظهورها إلى صراع اجتماعي داخلي دام يضعف الدول والمجتمعات التي يظهر فيها. والصواريخ الروسية ليست انقلابا في الترسانة السورية. من هنا، فإنّ ما يحدث هو نوع من إدارة الأزمة وجس النبض.
من شأن الموقف الروسي تحسين الوضع النسبي للنظام السوري، وإيران وحزب الله، ولكن بدون نتائج حاسمة. والروس تحركهم مصالح، وقد أبدوا في الماضي محدودية في مدى معارضتهم ومواجهتهم لواشنطن. لذلك، ربما يكون ما نشهده مرحلة تكتيكية في صراع متطاول، أو مقدمة لمساومة مع روسيا حول مكانتها ومطالبها الإقليمية والدولية.

[email protected]