حصاد القمة!

احتاجت القمة العربية إلى يوم إضافي زيادة على اليوم الوحيد الذي كان قد خصص لمناقشة كل القضايا المدرجة على جدول أعمالها. لكن هذا اليوم الإضافي لم يكن لأجل مزيد من المناقشات والمداولات بل كان لحل نزاع قيل إنه لبناني-لبناني أخّر صدور البيان الختامي.

اضافة اعلان

وهكذا، وبعد تغيب ثمانية قادة عرب عن القمة، وتغيب غالبية الحاضرين منهم عن جلسات اليوم الثاني "الطارئ"، كان ذلك اليوم الإضافي بمثابة الدليل الأخير، إنما غير الضروري أبدا، على مستوى الضعف الذي وصل إليه العرب. فهل كان هؤلاء بحاجة إلى قمة الخرطوم فعلا، أم أن الالتزام بدورية القمة يبدو الأسمى والأهم اليوم؟

خلافا للظاهر، ثمة الكثير مما يجمع قمة الخرطوم 1967 وقمة الخرطوم 2006؛ فالأولى التي اعتبرت تاريخية بلاءاتها الثلاث "لا صلح، ولا تفاوض، ولا اعتراف (بإسرائيل)"، إنما جاءت لإظهار قوة وتماسك عربيين، وإن زائفين، عقب حرب النكسة في العام 1967، وبين ذلك التاريخ والعام 2006، مرت على العرب نكبات لا نكسات، كان يفترض بها جعل قمة الخرطوم الأخيرة تاريخية أكثر من سالفتها. إذ لم يعد الأمر قاصرا فقط على طموحات وآمال شعوب بحياة أفضل وصولا ربما إلى "حلم" وحدة عربية، بل تعدى الخطر ذلك إلى صراع بقاء -بكل ما تعنيه الكلمة من معنى- على المستوى الوطني (القطري)، صراع لا يقف عند الشعوب، بل ويمتد ايضا وبالأساس إلى النخب الحاكمة ذاتها، التي تبدو في الحقيقة الأكثر خسارة من القمة.

فبالنسبة للشعوب العربية، كانت القمة وبيانها الختامي وقراراتها عند توقعات هذه الشعوب تماما، لكن النخب العربية، التي تخوض في معظمها حرب شرعية متآكلة، باستجابتها لتلك التوقعات، إنما تكون قد أغرت خصومها من الداخل بمزيد من التمرد والعنف والإرهاب كنتيجة منطقية لمؤشرات ضعف الدولة. ومثل هذا العنف على أشكاله ومسمياته سيتضافر ويتغذى من مظهر خارجي أيضا للضعف العربي، بإعلان العرب انسحابهم من كل قضاياهم القومية لمصلحة أطراف إقليمية، لا سيما إسرائيل وإيران، باتت الفاعل الوحيد والرئيس في المنطقة، والمتحكمة بالتالي بمصائر العرب.

ففيما كان يتوقع من قمة الخرطوم أن تكون خطوة أولى على الأقل نحو استعادة العراق العربي، والذي لم يعد خافيا على أحد انه بات يذهب رويدا رويدا إلى إيران، بحيث صار محل تفاوض أميركي-إيراني، وبما قد يبدو لاحقا صورة أخرى لاتفاقيات سايكس بيكو وسان ريمون مع اختلاف الأطراف، هذا العراق لا يبدو منطقيا ولا ممكنا بالنسبة لأي فريق فيه أن يلجأ إلى عرب أثبتوا في أكثر لحظات وعيهم بأزمة عروبة العراق أنهم غير قادرين على مساعدته، وباي وسيلة كانت!

أما بالنسبة للقضية الفلسطينية، وفيما لم يجف بعد حبر قرار قمة الخرطوم المؤكد على "مبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت"، والرافض "للحلول الجزئية والإجراءات الإسرائيلية الأحادية الجانب" و"مطالبة الدول والمنظمات الدولية كافة بعدم الاعتراف" بهذه الحلول والإجراءات، جاء الموقف الأميركي سريعا ليعلن تبنيه الرؤية الإسرائيلية، لا العربية السلمية، بإعلان وزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليزا رايس، إمكانية قبول الولايات المتحدة للإجراءات الإسرائيلية أحادية الجانب التي تهدف إلى ترسيم حدود إسرائيل بشكل دائم، وبالتأكيد على حساب الأرض الفلسطينية المحتلة حتى بتعريف الشرعية الدولية غير الأميركية! أما تبرير الموقف الأميركي، بحسب رايس، فهو أن "نجاح الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة العام الماضي وتولي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) السلطة في الأراضي الفلسطينية غيرا من معادلة عملية السلام في الشرق الأوسط".

فوق ذلك كله، وبما يستحق وصف "المضحك المبكي"، هو أن قتامة مخرجات القمة العربية تبدو جلية من خلال ما قد يظن خطأ أنه إنجازها الوحيد والأوحد، أو نصف الكأس الممتلئ في مواجهة كل ذلك الفراغ، وهو "الإنجاز" المتعلق بإقليم دارفور السوداني!

فحين يقرر العرب دعم قوات الاتحاد الإفريقي، بما في ذلك ماليا لمدة ستة أشهر، فهذا معناه -شئنا ذلك أم أبينا- إقرار لمبدأ وجود قوات دولية في السودان، ولا يضير بعد ذلك أكانت هذه القوات إفريقية، سيثبت فشلها سريعا مرة أخرى، أو كانت قوات دولية ستحل محل القوات الإفريقية عما قريب. وكان الأولى بالقمة العربية، إن هي فعلا أرادت حماية السودان من تدخل "إمبريالي مغرض" هدفه النهائي تقسيم السودان، أن تطالب حكومة السودان بإنهاء أزمة دارفور على المدى القصير من خلال وقف الفظائع المرتكبة هناك، كما على المدى الطويل بوقف إهمال المنطقة حداً جعلها مرتعا للعنف والإرهاب وصولا إلى المطالبة بالانفصال، وذلك بدلا من ترك الأبواب مشرعة لتدخل أجنبي يتم التحايل على توصيفه حرصا على "مسمى" (لا أكثر) السيادة!

بعد ذلك كله، ألا تستحق قمة الخرطوم 2006 وصف القمة التاريخية، لا بشعاراتها بل بحصادها الذي لم نجنه كله بعد، وهو بين حصاد مر نتذوقه الآن فعلا، وحصاد علقم قد يحين أوانه سريعا.

[email protected]