حضانة الأطفال بعد الانفصال.. أردنيات يسألن "أين حق الأم؟"

Untitled-1
Untitled-1

عمان - الغد - يظل الزواج وتكوين أسرة صغيرة والانفراد بمنزل تملؤه ضجة الأطفال أملاً وحلماً يراود الكثيرين، قد يكون أحياناً سؤالاً ثقيل الظل لدى من لم يقرر بعد هذه المرحلة من حياته، إلى أن تأتي تلك اللحظات التي تشكل حالة فرح خاصة لدى العائلات التي تنتظر زواج أبنائها وبناتها.

كل هالات هذا الحماس تبدأ بالانطفاء حتى تختفي أمام المسؤوليات المشتركة والحقيقية في بداية الزواج وبعد الطفل الأول، كثيرون يجتازون المرحلة وينتقلون إلى الاستقرار في حياتهم الزوجية، آخرون قد لا ينجحوا في ذلك، ليبدؤوا بمواجهة مرحلة الطلاق وما بعدها من التفاصيل القانونية التي ينقسم حولها كل المعنيين في القضية.

بانا زيادة (27 عاما) سيدة أردنية خاضت هذه المرحلة بتفاصيلها، وقررت توثيقها عبر صفحة حق الأم التي أسستها بعد حصولها على حضانة طفلتها الوحيدة فور طلاقها من زوجها السابق.

حصولها على حضانة الطفلة حتى عمر 15 عاما كان انتصارا مهما بالنسبة لها، إلا أن هذا الانتصار لم يكتمل باكتشافها عدد الممنوعات التي ستحد حياتها كحاضنة؛ السفر والعمل والزواج... كل ذلك أصبح مرهونا بموافقة الولي، وبحماية قانونية.

زيادة علّقت بأنها تتمنى كأم أن يصبح لطفلتها إخوة وأخوات حالها حال معظم الأطفال الذين تعرفهم، لكن ذلك قد يكون صعبا في ظل هذه الظروف.

تنص المادة 170 من قانون الأحوال الشخصية الأردني على أن الأم أحق بحضانة ولدها، إلا أن الحضانة تشترط في مستحقها إذا كان من النساء أن لا تكون متزوجة بغير محرم من الصغير، وإن اختل هذا الشرط، فالمادة 172 من ذات القانون، تسقط حق الحضانة.

كما تنص المادة 176 على أن المحضون، إذا كان أردنيا، فليس لحاضنته الحق في الإقامة أو السفر به خارج المملكة إلا بموافقة الولي كذلك.

والولي أو الوصي هو من يتولى إدارة شؤون القاصرين دون سن الثامنة عشرة كإجراء معاملاتهم وفتح حساباتهم في البنوك، أما الحاضن أو الحاضنة فهو المسؤول عن الاعتناء بالأبناء وتربيتهم.

المادة 223 تُعرف ولي الصغير بأنه أبوه ثم وصي أبيه ثم جده الصحيح ثم وصي الجد ثم المحكمة أو الوصي الذي نصبته المحكمة، ما يجعل الأم آخر الخيارات، أو خيارا غير موجود تقريبا سواء كانت الحاضنة بعد الطلاق، أو بعد وفاة الأب، ما يعتبره البعض تحديدا للأم وللمرأة التي ما تزال تواجه العديد من التحديات في مجتمع بدأت مؤخرا تزداد حدة أصوات نسائه استنكارا للكثير من القضايا التي يعتبرنها تمييزية بناء على النوع الاجتماعي.

مدير المعهد القضائي الشرعي القاضي الدكتور منصور الطوالبة، فسّر هذه المواد، قائلاً إن الأحكام القانونية الخاصة بالحضانة تؤخذ وحدة واحدة، ذلك أن اكتمال التصور للحكم مبني على كتلة تشريعية متكاملة، والقاعدة العامة التي تفهم النصوص في ضوئها ولا يصح مخالفتها هي وجوب مراعاة مصلحة الطفل، خاصة أن في الحضانة تنازع حقوق أطراف ثلاثة على الأقل؛ الأول حق الطفل والثاني حق الأم والثالث حق الأب في الصورة العامة، ففي حال تعارض حق الطفل مع أي من الآخرين قدم حقه على حق كل من سواه، وبهذا فإن النصوص القانونية المنظمة لأحكام الحضانة مثل تحديد لمن الأولوية، تشكل معايير ويسترشد بناء عليها لتحديد مصلحة الطفل، ومن ثم يتم حمايتها بقرار قضائي، فهذه المعايير مثل ترتيب أصحاب حق الحضانة لا يكون ملزما للمحكمة إذا كانت مصلحة الطفل عند غيره.

الطوالبة علق أيضا حول القوانين الخاصة بالمستندات بأن القانون بين أن من حق حاضن الصغير الاحتفاظ بأصل الوثائق الخاصة بالصغير أو صور مصدقة عنها حسب مقتضى الحال سواء كانت أمه أو غيرها من أصحاب حق الحضانة وحتى لو كان مؤسسة تحضن الصغير، وهذا ما ورد في المادة 180 من قانون الأحوال الشخصية الأردني رقم 15 لسنة 2019.

وأضاف أنه قد تظهر بعض الإشكاليات في التطبيق وقد يكون السبب الأكثر في وجودها هو ضعف الثقافة القانونية فلا تعرف الأم متى تطرح ما لديها من ملاحظات أو طلبات وقد يكون كذلك حال الأب، لذلك بادرت دائرة قاضي القضاة ولضمان نشر المعرفة وتقديم توضيح لكثير من المسائل بإنشاء الإصلاح والوساطة العائلية لتقديم خدمات استشارية أسرية قانونية واجتماعية بشكل مجاني، كذلك تم استحداث النيابة العامة لتكون نصيرا في حماية مصلحة الطفل.

أما حول موضوع السفر بالصغير، فأشار الطوالبة إلى أن القانون منح هذا الحق للحاضن وإذا لم تكن الأم حاضنة فقد مكنها القانون من السفر بالصغير بشروط وضوابط لحماية حقه في أن يحيا في وطنه، ويتمكن من التواصل مع عائلته الممتدة، ومن مظاهر نضوج التشريع بهذا الجانب أن نص على إمكانية السفر ومعايير ذلك ضوابطه حتى لا يتسلط أب أو تتسلط أم أو غيرها ممن قد يحضن الصغير ولا يتصور أن يُترك السفر أو منعه بشكل مطلق لرغبة أب أو أم حتى لا يتخذ الوالدان من الصغير أداة لهما.

وإن من ينتقد التشريع في هذا الجانب إما أنه لم يلب المتطلبات ولم يحقق شروط حماية الصغير فيسعى لعرض الموضوع بشكل عاطفي لأن مصلحته مقدمة من وجهة نظره أو أنه ينظر للموضوع من جانب واحد بخلاف نظرة المشرع التي تحيط الموضوع من جوانبه كافة، علما أن القيود الواردة على سفر الأم بالصغير هي ذاتها الواردة على الأب؛ إذ من حقها أن تمنع سفر الصغير إلى أن تتحقق المحكمة من مصلحة الأم وتضمن حماية مصلحة الصغير المقدمة على مصلحة الأب.

حسب آخر إحصائيات العام 2019 التي نشرتها جمعية معهد تضامن النساء الأردني "تضامن"، فمقابل كل 194 حالة زواج يوميا هناك 55 حالة طلاق، في العام الماضي وحده سجلت المحاكم الشرعية الأردنية أكثر من 20 ألف حالة طلاق، وتراوحت أعداد الحالات المسجلة خلال الأعوام الأربعة الماضية بين 20 و22 ألف حالة سنويا.

أعلى نسبة طلاق من زواج العام 2018 وقعت بالفئة العمرية بين 30 و 40 عاما بنسبة 29.89 % وأقلها كانت بالفئة العمرية أقل من 18 عاما، ما يعني أن معظم المطلقين والمطلقات ما يزالون في سن يمكن البدء بعدها من جديد، وتكوين حياة أسرية جديدة، إلا أن بعض القيود القانونية خاصة المتعلقة بالحضانة قد تمنعهم من ذلك، وتحديدا النساء.

إن فكرة سقوط حضانة الأم بمجرد زواجها، يعتبر تمييزا، هكذا علقت الأمينة العامة للجنة الوطنية لشؤون المرأة الدكتورة سلمى النمس على المادة 172، موضحة أن هناك حالات عنف سجلت من زوجة الأب، وصلت إلى موت طفل قبل عامين، وبالتالي فإن الفرضية التي تقول إن الأم لا تستطيع حماية طفلها في حال تزوجت هو أمر مرفوض. وفي النهاية إن كان هناك رجل مريض قد يؤذي الطفل، فهو قد يكون أبا أو زوج أم أو خالا أو جدا، إلخ… إذا لماذا نفترض دائما أن زوج الأم هو الذي يشكل هذا الخطر.

اللجنة الوطنية لشؤون المرأة، طلبت خلال آخر تعديل لقانون الأحوال الشخصية تعديل المادة 223 فيما يخص الوصاية، “نحن نؤمن أن حق الأم بالوصاية مساوٍ لحق الأب، والأم لديها الأهلية الكافية لرعاية أبنائها، وكل هذه المواد بصراحة، تحمل في طياتها موقفا مسبقا بأن المرأة لا تملك الأهلية لرعاية أبنائها. لكن لوحظ خلال الحوارات مع جهاز القضاء الشرعي هو التوجه إلى فهم هذه المادة فهما يعزز التأكيد على أن مصالح الطفل مقدمة وأن سقوط الحضانة بزواج الأم لا يكون تلقائيا وأنما وفق ما علمنا من القضاة أنها قد تحتفظ بحضانة الأيناء إذا توافرت مصلحتهم وكانت هي الأولى بهم”.

القصة التي واجهتها بانا، غيرت حياتها إيجابيا، كما تقول، بعد أن قررت دراسة القانون رغم حملها لشهادة جامعية أولى في المحاسبة، هدفها الرئيسي من ذلك هو تغيير ما شاهدته من قوانين اعتبرتها تمييزية، خاصة المواد التي ما تزال تنتقص من حق الأم في حضانة طفلها والوصاية الكاملة.

الخلاف بين رؤية الأم والأب لمصلحة الطفل يعتمد بشكل كبير على الركائز والعادات والتقاليد المجتمعية، فحتى اليوم، وفي العديد من المجتمعات والعائلات الأردنية ما يزال التعامل مع النساء يرتكز على اعتبارهن غير قادرات على اتخاذ القرارات أو حماية أنفسهن بدون دعم ومتابعة من رجال العائلة.

الدكتورة سلمى النمس، أكدت بأن دائرة قاضي القضاة هي الجهة القضائية التنفيذية التي تقيم الحالة لتطبيق المواد المتعلقة بقانون الأحوال الشخصية، وهي تعتبر من الجهات الاساسية الشريكة التي نعمل معها لمراجعة التشريعات وتطبيقاتها بناء على احتكاكهم المباشر مع الواقع، ولكن تعديل التشريعات بحاجة لحوار مجتمعي واسع يتضمن دائرة قاضي القضاة ودائرة الافتاء العام نظرا لدور الشريعة الأساسي في قانون الأحوال الشخصية في الأردن، إلا أن مراجعة وتعديل التشريعات خاضعة لتوازنات مجتمعية ومؤسسية قد تتضمن مقاومة للتعديلات نظرا لبعض الاتجاهات المجتمعية السائدة التي ترى تراجعا في دور الأم المطلقة في تربية أبنائها في حال زواجها، وهذا ما يجعل النقاشات حول تعديل قانون الأحوال الشخصية مطولة وصعبة.
وتؤكد النمس أنه يجب أن يتم التركيز على الجهد المجتمعي والثقافي لذلك، في الاستراتيجية الأخيرة للجنة التي تم المصادقة عليها، تم التركيز على مخرج أساسي مرتبط بالاتجاهات المجتمعية لرؤية المرأة والرجل داخل الأسرة وفي المجتمع، فمن التجارب السابقة "إذا الأرضية المجتمعية والمؤسسية مش جاهزة ومش مؤمنة بمساواة المرأة والرجل بأدوارهم داخل الأسرة، للأسف أي تعديل تشريعي سيواجه معارضة كبيرة وسيفشل".

رغم كل ذلك يظل سؤال "أين حق الأم؟" في القوانين الحالية مطروحا بقوة بين النساء الأردنيات الحاضنات مثل بانا زيادة وغيرها، واللواتي ما يزلن يشتكين من الكثير من المعوقات القانونية والمجتمعية، فهل تثبت الحراكات النسائية في الأردن جدواها حتى لو بعد حين؟

 

اضافة اعلان