حقبة جديدة من العمل

معاذ دهيسات

في العام 2017 صدر تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي المعنون بـ "مُستقبل المهن والمهارات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: تهيئة المنطقة للثورة الصناعية الرابعة" التقرير الذي تم بناؤه بالارتكاز على محوري الأتمتة والموارد لقياس قدرة منظومة الاقتصادات العربية على التكيف مع متغيرات الثورة الصناعية الرابعة، لضمان انتقال آمن من سوق الوظائف التي خرجت من الخدمة إلى قطاعات العمل الجديدة الناشئة وهو ما يتطلب تدريب اليد العاملة على مهارات تحتاجها الأسواق الجديدة.اضافة اعلان
تقاعست اقتصادات المنطقة العربية بالتحرك نحو الأتمتة نتيجة اعتقادها بامتلاك ترف الوقت في التحول وعزز الركون لهذا القرار اعتماد هذه الاقتصادات على يد عاملة رخيصة تغنيها عن التحول الكبير المبني على مهارات وطرق وأدوات جديدة، وما أن أطلت جائحة كوفيد- 19 وحملت معها نظرية التباعد الاجتماعي وتوابعها من قيود الحظر الى العمل بأدنى حد ممكن من الطاقة البشرية حتى بات مستقبل العمل ونظريات المهن البائدة والاعمال التي ستسود أمرا حتميا لا مناص منه.
منحت الدراسات المتعلقة بذات الشأن اشارات مهمة لأصحاب القرار تساعدهم في إدارة وتوجيه الدفة لتلافي المعضلات المقبلة والاستعداد الجيد للمستقبل وتبدلاته، فمثلاً اشار التقرير الى أنه وبحلول 2021 من المتوقع أن تكون 21 % من المهارات المطلوبة في السوق الخليجي مُختلفة عن تلك التي كانت مطلوبة في العام 2015، إنه أمر تبدل مشابه تماما لما نجده اليوم من حيث أكثر المهن استقطاباً كالمدونين ومحللي البيانات العملاقة ومصممي التطبيقات لم تكن موجودة قبل عقد من اليوم.
إن الدراسات تحذرنا اليوم بتأكيدها أن خمسة وستين بالمائة من أبنائنا ممن هم على مقاعد الدراسة في الصفوف الابتدائية حالياً سيمارسون مهنا لا نعرفها بعد!
وفي التقرير الذي تلاه بعام تحت عنوان مستقبل الوظائف لعام 2018 والذي أخذ مسار الدراسات الاستقصائية لمدراء تنفيذيين يمثلون 15 مليون موظف في 20 شركة اقتصادية تحدثت النتائج عن أن أكثر من نصف القوة العاملة حول العالم ستحتاج لتدريب على مهارات جديدة نتيجة صعود الآلات لسوق العمل بقوة وهو ما يعني اندثار مهن وبروز مهن جديدة، سوق ضخم من الأعمال الجديدة الناتجة عن التحول تم تقديره بمائة وثلاثين مليون فرصة عمل جديدة يقابله فقدان أعمال ومهن مختلفة تقدر بالملايين كذلك.
إنها حقبة جديدة من العمل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كما وصفها تقرير البنك الدولي لنهاية 2019 والذي اختصر المعادلة الاقتصادية المقبلة ببساطة من خلال الوصف: (بطء في التغيير يعني بطئا في النمو)، والتغيير هنا يُعنى به البطء في وتيرة التغيير التكنولوجي وهذا يفسر ما نحن عليه اليوم من النمو السلبي والانكماش، ولنقف مثلاً أمام الفجوة في نتاج المؤسسات التعليمية خلال هذه الفرصة في التحضير لهذه المرحلة التي لم تعد مجرد دراسات وتنبؤات نحن اليوم في قلب المعركة الاقتصادية والتي كان يجب أن يجري حسمها في المدارس والجامعات ومعاهد التدريب حيث يتم الانتقال في التعليم والتخصص بناء على محاور الإبداع والذكاء العاطفي والتدريب على التفكير التحليلي وتعليم المهارات المطلوبة في سوق العمل الذي يشكل فيه خريجو الجامعات السواد الأعظم من العاطلين عن العمل ضمن معدل بطالة مرتفع وسيرتفع باطراد خلال المرحلة القادمة، فإذا كانت المؤسسات التعليمية تعي أنها تخرج كتلا من المعطلين وكانت كل هذه الدراسات تؤشر لوجوب تغير نمط التعليم والتحضير للثورة الرابعة لماذا لا زلنا نكرر الخطأ ونمول ونخرج ذات التخصصات البائدة؟ فالريادة ليست مجرد نوايا طيبة.