"حقك تعرف": تحديد الأهداف!

إطلاق الحكومة لمبادرات وأفكار، كان آخرها منصة "حقك تعرف".. يُذكر بحالة مريض انتشر السرطان في كل أنحاء جسده، وذووه منشغلون يتساءلون ويستفسرون من الطبيب "لماذا يتساقط شعر ابنهم، الذي أنهكه المرض الخبيث"؟.اضافة اعلان
إطلاق مثل هذه المنصات والمبادرات شيء جيد، لكن يجب أن يكون ذلك بعد تأمين المواطن بعمل أو وظيفة أو مصدر رزق محترم يكفل له ولأسرته سبل حياة كريمة، وبعد تأمين تعليم ينفعه ووطنه، وعلاج وأدوية إذا ما تعرض لعارض صحي.. نعم تنفع عندما تكون الحريات مصانة بشكل كامل، تنفع عندما يصدح المواطن برأيه بكل حرية وأمان من غير تجريح أو تشهير أو اغتيال للشخصية.. تنفع عندما يتم تفعيل قانون حق الحصول على المعلومات.. وتلك أمور جميعها كفلها الدستور.
ويا ليت الأمر تقف عند ذلك، فمسؤولو الحكومة "المبجلة" يخرجون علينا بتصريحات أقل ما يُقال عنها بأنها "متخبطة"، فتارة يقولون لنا بأن منصة "حقك تعرف" هدفها فقط البحث عن الاشاعة والأخبار الكاذبة، والرد عليها وتفنيدها.. وتارة أخرى بأنها مختصة بتقديم المعلومة الدقيقة.. وثالثة يؤكدون بأن غايتها تجويد الخطاب الإعلامي.. ورابعة يشيرون فيها إلى أنها ليست للإجابة على استفسارات المواطنين.. وخامسة يشددون على أنها "لن تلغي دور الوزارات والمؤسسات الرسمية"، في تقديم المعلومة.. وسادسة يحاولون إقناعنا بأنها ستكون حلقة من حلقات التواصل بين المواطنين والحكومة.
مسؤولو الحكومة يصرحون ليل نهار بأنهم يؤمنون بأن نشر الحقيقة هي الأداة الوحيدة والمثلى للرد على الإشاعات ودحضها، ولكنهم، وللأسف، لا يؤمنون بقانون حق الحصول على المعلومات، الذي كفله الدستور الأردني والمواثيق الدولية، ولا حتى مجرد تعديله بشكل يواكب التطور العالمي في تكنولوجيا الاتصالات والإنترنت، للخروج بقانون عصري بحلة جديدة يعود بالنفع على الجميع.
المتتبع لمنصة "حقك تعرف"، خلال الفترة الماضية، يرى بأم عينه أنها لا تجيب على كثير من الأسئلة التي يطرحها مواطنون حول قضايا معينة، إذ تكتفي بالإجابة على تساؤلات أقل من عادية جلها تمحورت حول الطقس وانقطاع مياه وقضايا خدماتية أخرى.
الأولى أن تقوم الحكومة بالإفصاح عن المعلومة ونشرها بأقصى سرعة ممكنة، وخصوصا عند حدوث أزمات أو وقوع حوادث أو ما شابه ذلك.. لا أن تكتفي بالبحث عن إشاعة وترهق كادرها بالرد عليها وتفنيدها.. وكأن هدفها الأول والأخير هو ذلك.
يتحججون بانتشار إشاعات وأكاذيب، والكثير الكثير يعلم بأن غياب الشفافية والتلكؤ والتخبط والتأخر بإعطاء المعلومة، سبب رئيس لانتشار الإشاعة، ناهيك عن أنها سبب في اتساع فجوة عدم الثقة ما بين المواطن والحكومة... رغم أن رئيس الوزراء عمر الرزاز يؤكد "أن ظاهرة بث الإشاعات تختفي عن طريق ايصال المعلومات من مصادرها الموثوقة وفي الوقت المناسب".
كما يخرج علينا أحد وزراء الحكومة ويؤكد بعلو صوته بأن "سيكولوجية الأردني تسمح في تقبل بعض الإشاعات".. وكأن هذا الوزير متخصص في علم النفس، لا بل وبالتحديد بتحليل الأردنيين.
نقطة أخرى يجب الانتباه إليها والتركيز عليها، ألا وهي تأكيدات الحكومة بأن هذه المنصة "لم تكلف الخزينة أي فلس".. وهنا نطرح السؤال التالي "هذه الإعلانات المنتشرة بمعظم شوارع المملكة بمختلف محافظاتها من أين أتت ميزانيتها؟ وكيف لنا أن نثق بهذه المعلومة، وآلية عمل منصة "حقك تعرف" تقوم من خلال ثلاث مراحل هي: رصد الإشاعة، حلقة الرد، وفريق متكامل لصياغة المعلومة الحقيقية.. فكل مرحلة من هذه المراحل تحتاج مبالغ مالية ليست بقليلة، إذ يجب توفير كادر أو فريق كامل للقيام بهذه المهام، فضلًا عن تجهيز مكاتب وأجهزة كمبيوتر وقد تصل إلى أجهزة نقالة حديثة.
مع العلم بأن كل وزارة أو مؤسسة حكومية لديها جهاز إعلام وعلاقات عامة، وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأخيرا، نخشى أن تصبح هذه المنصة في المستقبل القريب بديلا عن وسائل الإعلام الرسمية، والتي تُعتبر قوتها من قوة الدولة.. رغم التأكيد الرسمي بأنها "لن تلغي دور الوزارات والمؤسسات الرسمية".