حقّ التعليم الجامعي

لا أحد يستطيع أن يتكهن بإجابة معقولة للسؤال الذي يُطرح كل صيف : لماذا التعليم الجامعي في أغلب دول العالم مجّاني باستثناء الأردن، حيث هو من أغلى “السلع” كلفةً في المملكة ؟!اضافة اعلان
لن نتحدث هنا عن الدول الغنية، ودول العالم الأول، والشعوب المدلَّلة،  التي تنعم بفائض من “الحقوق” والخدمات و” النِعَم” مقابل الضرائب التي تدفعها، بل نقارن أنفسنا بدول عربية أكثر فقراً وضنكاً، مقارنةً بحالتنا، مثل مصر والمغرب وسورية، ففي بلد مثل مصر عدد سكانها يقارب المئة مليون يحتفظ كل من ينهي الثانوية العامة بحقه بمقعد جامعي دون مقابل، فيما في المغرب التي يتجاوز عدد سكانها أربعة أضعاف الأردن يأخذ كل طالب جامعي مكافأة شهرية إضافة إلى مقعده الجامعي!
في بلادنا يشكّل التعليم الجامعي اختباراً صعباً للعائلة كاملة، حيث تضطر الى إعادة ترتيب أولوياتها وبرنامج إنفاقها، وجدولة ديونها، لتعليم طالب واحد، وينعكس ذلك على الوضع المعيشي لكل أفراد الأسرة، حيث يدفع الجميع “ثمن” أن يحظى الشقيق أو الشقيقة بفرصة التعليم الجامعي .. أما في الأسرة التي يتزامن أن يجلس إثنان او ثلاثة من أبنائها على مقاعد الجامعة معاً، فتلك محنة لا يقدر عليها إلا قلّة قليلة جداً من الناس، وتقتضي التضحية بالكثير، لدفع الأقساط الضخمة والثمن المرعب للحصول على شهادة هي في أغلب دول العالم الفقير، والعالم الثالث، حق عادي لا يلفت الانتباه ولا يستدعي الشكر !
وحين لاحظ المعنيّون عندنا أن الرسوم والأقساط لم تحقق الجشع المطلوب، ومبالغة في سياسة “الجباية”، اخترعوا فكرة التعليم الموازي، بحيث تدفع شريحة أخرى من الطلبة ضِعف أو ضِعفي ما دفعت الشريحة الأولى، ثم يجتمع طلاب الشريحتين بعد ذلك في قاعة دراسية واحدة ويتلقون نفس المحاضرة، عند نفس الدكتور، رغم أن “الموازي” اخترع بحجة أن التخصص لا يستوعب هذا العدد من الطلبة ! لكن سياسة الدفع تجعل القاعة أوسع ومقاعدها أكثر !
والآن بعد أن ثبت ان “الموازي” يدرّ دخلاً كبيراً ومجزياً جرى اختراع “موازيات” جديدة تحت أسماء مختلفة!
ولتعظيم عدد هذه الشرائح الموازية، والمدرّة للدخل المضاعَف، يجري كل عام رفع معدلات القبول في برنامج التنافس، رغم أن الطلاب المقبولين في لائحة التنافس الجامعي هم أيضاً مصدر دخل عالٍ، ويشكلون منجماً ثميناً لسياسة “الجباية” و”الاستفادة قدر الممكن من جيب المواطن” !
المواطن الذي فهمت الحكومات المتعاقبة فيما يبدو أنه “أغنى ما نملك”، فاتجهت الى “استثماره” كأفضل مصدر للدخل القومي.
وعودة الى السؤال الذي لا أحد يملك له إجابة مقنعة أو معقولة أو حتى قريبة من الإقناع، لماذا يدرس الناس في كل العالم، باستثنائنا نحن، مجاناً، بما في ذلك الدول الفقيرة والمحاصَرة والمنهكة، وحتى تلك التي تقع في “الإقليم الملتهب” !
بالتأكيد لا يدفع مواطنو تلك الدول ضرائب أكثر منّا (لا أحد فيما أعتقد يدفع مثلنا!)، وبالتأكيد ليست تلك الدول أعلى دَخلاً منّا، ولا هي أكثر استقراراً اقتصادياً مِنّا، فضلاً عن أن عدد سكانها أضعاف ما لدينا، فلماذا يكون التعليم العالي حقاً مجانياً لكل فرد في هذه الدول، إلا نحن !
هل لدى الجهات المختصة إجابات علمية واقتصادية مقنعة لهذا السؤال، غير تلك الأناشيد المملّة التي نسمعها عن “ضعف الموارد”، وما هي الخدمات المجانية التي تقدمها الدولة لمواطنها إذا كان يدفع سنوياً بدل تعبيد الشارع الذي يمرّ من أمام بيته ؟!