حكومة أسيرة لـ"السوشال ميديا"

مؤسف جداً ان تكون ردة فعل الحكومة وإجراءاتها مبنية على ما يحدث في صفحات التواصل الاجتماعيّ، وبذلك تكون أسيرة للسوشال ميديا وتابعة لها بدلا من ان تكون قائدة للرأي العام وموجّهة له.اضافة اعلان
لا تستطيع اي حكومة مهما بلغت قوتها وفاعليتها التصدي لإيقاف حالة الهلع والحراك سواء الإيجابي او السلبيّ الحاصل على صفحات التواصل الاجتماعيّ، فهذه موجة لا يمكن إيقافها بتتبع ما تحتويه، لكن يكون التصدي له من خلال مرتكزات أساسية لا يمكن تجاوزها في هذه المرحلة تحديداً وهي:
أولا: خطاب حكومي إعلاميّ سريع وصادق يسبق الأحداث، لا ان يكون خطاب ردة فعل للإشاعات والأخبار المغلوطة، بحيث يصبح الإعلام الوطنيّ إعلام نفي كما هو حاصل اليوم في معظم السلوكيات الرسمية الراهنة.
ثانيا: فتح قنوات مباشرة مع وسائل الإعلام المختلفة الوازنة، ومع المؤثرين العقلاء على صفحات التواصل الاجتماعيّ والمبادرة في تشكيل لوبي إعلامي جديد قادر على تحليل ونشر المعلومات والحقائق في وقتها وبشكل يصل لأكبر شريحة من المجتمع قبل تداولها على منصات التواصل الاجتماعيّ وتركها دون تبيان لحقيقتها وجوهر مضمونها.
ثالثا: لا يمكن لأي شخص ان يخشى الإعلام بكل أشكاله إذا كان يعمل بالشكل الصحيح والسليم وفق أحكام القانون، فالمسؤول القوي هو الذي يسير للأمام ولا ينظر خلفه، لذلك ليس مقبولا ان تواصل الحكومة تتبع كُلّ صغيرة وكبيرة على صفحات السوشال ميديا لنفيها او تؤكدها او توضحها، فالأصل ان المعلومة او الحدث الذي يعلن عنه يتبع فورا بالتحليل والشرح السليم والسريع الذي يقطع الشك ويوقف الإشاعات عند حد معقول.
رابعا: باستطاعة الحكومة قطع كُلّ الطرق على الإشاعات والتخلص من معظم هذا الضغط النفسي الكبير على المسؤولين من خلال الاتصال المباشر والحوار البناء والمستمر مع قوى المجتمع المختلفة تحديداً القطاع الخاص والقوى السياسيّة من أحزاب ونقابات مختلفة، فالحوار الإيجابي يعزز من وسائل الاتصال ويولد افكارا وحلولا وبدائل مختلفة لدى صانع وراسم السياسات بدلاً من اتهامهم باحتكار القرار وعدم التشاور والتنسيق.
قد تكون هذه المقترحات بحاجة إلى إدارة سياسيّة قوية وجرأة في اتخاذ القرار، ووحدة في الفكر الحكومي واتفاق على المضمون من قبل السادة الوزراء والمسؤولين على مختلف درجاتهم ومستوياتهم الإدارية، فالأصل ان يكون هناك هدف محدد وسياسة تنفيذية للوصول اليه، وبالتالي من حق الشّارع ان يفهم ويطلع على هذه الآلية ومن سينفذها ويراقبها ويقيّمها في آن واحد.
للأسف ما يحدث على صفحات التواصل الاجتماعيّ وبعض وسائل الإعلام يندى له الجبين، فقد هبط المستوى الأخلاقي للخطاب بين الكثير من أفراد المجتمع على تلك الصفحات "الصفراء"، مما يشكل ضغطاً كبيراً على المسؤولين الذي يلحقون بكل صغيرة وكبيرة في تلك المنصات لتوضيحها خشية من ان تحدث أمراً جللا في الشّارع في حال بقائها وانتشارها.
الأصل ان يستفيد المسؤول من المعلومة الحقيقية على منصات التواصل وفي الإعلام باستخدامها في تصويب الوضع إن لزم ذلك، او توظيفها بالشكل المناسب لتحقيق الهدف الذي تسعى الحكومة لتحقيقه.
أما ان يظل المسؤول حبيس الإشاعات والمعلومات الهدامة فسيدخل نفسه في نفق مظلم وتتكبل يداه ولن يستطيع العمل، المطلوب الآن عقلية بناءة في التعاطي مع وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وتوظيفها بالشكل الصحيح كما هو معمول به في كُلّ دول العالم، فمقالاتك ليست بحاجة الى اختراع لكي نجعل من هذه الوسائل ادوات هدم لمجتمعنا.