حكومة الرزاز تتحرك بين حقول الألغام

صدرت الإرادة الملكية السامية بانعقاد الدورة الاستثنائية لمجلس النواب اليوم الأحد وعلى جدول أعمالها 5 مشاريع قوانين معدلة أبرزها مشروع القانون المعدل للتقاعد المدني، واللافت للانتباه بشكل واضح غياب مشروع قانون ضريبة الدخل، بالإضافة إلى مقترح مشروع القانون المعدل للجرائم الإلكترونية.اضافة اعلان
تعديل قانون التقاعد المدني بإدخال تعديلات جذرية على حق الوزراء في اكتساب التقاعد المدني حتى لو كانت خدمتهم ليوم واحد يسجل لحكومة الدكتور عمر الرزاز، فقد كانت هذه القضية طوال عقود مطلب إصلاحي ضروري، وخطوة لتكريس العدالة، هذا إذا استبعدنا الخلاف مع مجلس النواب حول حق الحكومة باستعادة هذا القانون دون أن ينظر به مجلس النواب، وهو القانون الذي رده من قبل جلالة الملك.
من غير المعروف حتى الآن ما سينتهي عليه الوضع بخصوص مشروع قانون التقاعد وإن صرح بعض النواب برغبتهم بإحالة الأمر للمحكمة الدستورية للبت في هذا الخلاف.
هذه الدورة الاستثنائية ستكون تمرينا هاما لحكومة الرزاز في التعامل مع مجلس النواب، وسيُظهر أيضاً طريقة وموقف النواب من رئيس الحكومة ووزرائها بعد الدورة الاستثنائية التي خصصت للثقة، وشهدت خطابات شديدة النقد، وغير مألوفة حتى من نواب لم يعهد عنهم المعارضة أو حجب الثقة.
مشروع قانون ضريبة الدخل الإشكالي والخلافي من المرجح أن يرحل للدورة العادية لمناقشته حتى لو أرسل لاحقا للدورة الاستثنائية، والحكومة على لسان وزيرة الدولة لشؤون الإعلام والناطق الرسمي جمانة غنيمات أكدت أن مشروع قانون الضريبة لم يدرج لعدم استكمال الحوارات حوله، مشيرة إلى حرص الحكومة على تحقيق مبادئ التكافل والعدالة في مشروع القانون.
وباتجاه آخر فإن معلومات حكومية تشير إلى أن صندوق النقد الدولي له تحفظات على بعض التوجهات التي تبنتها حكومة الرزاز في مشروع قانون ضريبة الدخل وتعارضها، وهذا ربما يكون صحيحا، وإذا افترضنا حدوث ذلك فإن الحكومة مطالبة بالتفاوض مع الصندوق للوصول إلى تفاهمات أساسها تحقيق الإصلاح والعدالة الضريبية بما يخدم وينصف عامة الأردنيين.
وبسيناريو مخالف لكل ذلك، تسربت معلومات من "أركان" مجلس النواب عن خلاف مع الحكومة حول آليات التعامل مع مشروع القانون، وبدا واضحا بأن هناك اتجاها واسعا داخل النواب يسعى لاستعادة دوره المسلوب حتى لو دخل في صدام مع حكومة الرزاز، معتبرين ان هذه آخر فرصة لهم لاستعادة شعبيتهم.
على وقع هذه "الحركشات" النيابية في حكومة الرزاز يدور الحديث عن التعديل الوزاري كاستحقاق لإرضاء بعض النواب الغاضبين، والذين شنوا هجمات موجهة على وزراء بعينهم خلال جلسات الثقة.
طريقة تفكير رئيس الحكومة الرزاز لا تتفق مع هذا التصور، إخراج بعض الوزراء لمهادنة بعض النواب، فالأصل أن الرئيس يقيم أداء الوزراء على ضوء نتائج عملهم ويتخذ قراره بالتعديل، ولا أرى سبباً وجيها للتعديل الآن قبل جردة حساب واضحة للأداء الوزاري، إلا إذا كان التعديل استدراكاً لعدم قناعة الرئيس في انضمام الوزير أو الوزيرة منذ تشكيل الحكومة، وهذا كلام آخر.
لا أعتقد أن مشاريع القوانين المعدلة على الدورة الاستثنائية مثيرة للاختلاف، باستثناء مشروع قانون التقاعد المدني، والقانون المعدل لديوان المحاسبة، ولهذا فإنني انظر لهذه الدورة الاستثنائية باعتبارها جلسة تسخين وإحماء قبل معركة قانون ضريبة الدخل.
الاستماع لرؤية الدكتور الرزاز ونائب رئيس مجلس الوزراء الدكتور رجائي المعشر فيما يتعلق بقانون ضريبة الدخل يظهر اتجاهات إيجابية، وربما لا تكون كافية عند الشارع، وقد يكون هذا السبب الرئيسي لتأجيل تقديم مشروع القانون للبرلمان، فالحكومة تدرك يقيناً أن هذا القانون إما أن يكون نقطة تصادم مع الشارع، ويعود الناس من جديد للاحتجاج والاعتصام، أو يكون ممر عبور آمن لها، وهذا كله يرتبط بما ستقدمه وتراعيه لمبادئ العدالة الاجتماعية، والعدالة الضريبية، وكيف ستعكسه في مشروع القانون، والأهم كيف ستقدمه للناس بصورته النهائية لتقنعهم به؟!
تجنبت الحكومة خطأ كارثيا آخر عند عدم إدراجها مشروع القانون المعدل للجرائم الالكترونية على الدورة الاستثنائية لمجلس النواب، فالناس تربط بين مشروع قانون ضريبة الدخل، وبين الجرائم الإلكترونية المعدل، فهم يعتبرونه توطئة للتضييق على حريتهم في التعبير، وخطوة لمنعهم من الاحتجاج والرفض على وسائل التواصل الاجتماعي.
تتحرك الحكومة بين حقول ألغام، وعليها أن تدير معاركها بحساسية عالية، ليس بالتحسب و"مغازلة" مجلس النواب فقط، ولكن الأهم أن تكون عينها على الشارع لتكسب ثقته بقرارات وتوجهات تتفق مع أولوياته، وترتقي بمستوى معيشته، وتضمن حرياته وحقوقه الأساسية.