حكومة جديدة وسياسة قديمة

لم تمض ساعات على تشكيل حكومة د. عون الخصاونة حتى طفا على سطح الطبقة السياسية شعور بالإحباط والمفاجأة، ولا أريد أن أقول خيبة الأمل. فبعد أسبوع من التصريحات المشجعة، لكنها من دون برنامج واضح، وبعد لقاءات واسعة مع كل الطيف السياسي القديم والجديد الموجود في الحياة السياسية عبر البيانات والمواقف الإعلامية، أو عبر الطيف السياسي الجديد الذي ظهر الريش الحقيقي على جسده، بحيث أصبح معبرا أكثر عن نبض الشارع وحركته واتجاهاته؛ خرجنا بتشكيلة وزارية، مع كل الاحترام لشخوصها، لكن ليس فيها أي نكهة سياسية، والتي لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تعكس بروز اندفاعات إصلاحية يحتاجها الشارع الأردني، بعد أن تعب من التجريب والتدوير والانتظار.اضافة اعلان
التفاؤل الذي أثارته الأيام الماضية بتكليف الخصاونة، والذي تسبب بزيادة جرعة التفاؤل لدى قطاعات واسعة من الشعب من خلال التصريحات التي أدلى بها، ليس لأنها شددت على محاربة الفساد وفوضى البلديات، والإصرار على إعادة النظر في السياسة الاقتصادية والمطالب الشعبية، بل أضاف بريق التجديد بأنه سيعتمد كثيراً في تشكيلته على الأحزاب والقوى السياسية والفعاليات وممثلي الأطر الشبابية والمدنية، لنكتشف الحقيقة المرة سريعا بأنه يمضي على خطى تقليدية لن تحمل جديداً سواء من حيث مشاورات التشكيل أو الوعود التي جرى تقديمها من دون الارتكاز إلى برنامج عمل محدد. ومهما بلغ إغراء هكذا وعود، فإن القوى السياسية من الصعب أن تحملها محمل الجد، لأنها ليست المرة الأولى التي تطرق مسامعها هكذا وعود حماسية وبراقة.
ثم أتى التشكيل الوزاري الذي لم يُبرز بمعظمه الاستناد إلى الكفاءة والاختصاص والخبرة السياسية والحيازة على ثقة شعبية واسعة، بقدر ما أبرز العودة للجهوية والارتباط بمراكز القرار وسياسة الإرضاء العشائري، خاصة في المواقع التي شهدت اضطرابات ضمت الصوت العشائري إلى الصوت السياسي على اختلاف تلاوينه. إن هذه التشكيلة التي أراد دولة الرئيس أن يظهر من خلالها نواياه ورغبته الصادقة بالإصلاح تشير بشكل واضح من خلال كل المقدمات إلى مساحات أخرى أوسع غير مقبولة شعبياً في توجهات التشكيل، ولربما أن الهدوء الذي سلفه إياه الحراك الشعبي، وبخاصة الحركة الإسلامية التي ما تزال حتى الآن تغازل الحكومة بعد التغيير الوزاري لن يستمر طويلا، وسوف يعود مجددا الجمعة المقبلة تحت شعار "لم تفهمونا".
الإحباط من التشكيلة الجديدة عبرت عنه أيضا أحزاب المعارضة، وقالت "إن تركيبة الحكومة أحبطت الأجواء الإيجابية، وأظهرت التشكيلة بأن الحكومة المكلفة لا يمكن أن تؤسس للخروج من الأزمة ووضع البلاد على سكة الإصلاح السياسي".
حتى في الإجراءات الأولى لم تأت الحكومة بشيء مقنع، فكيف تعلن أنها باتجاه تأجيل الانتخابات البلدية، وفي نفس الوقت تعلن تمديد فترة التسجيل، حيث يعرف الجميع أن المهتمين بالعملية الانتخابية فقدوا عنصر الحماس وتشجيع المواطنين على الذهاب إلى مراكز التسجيل، حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في موضوع الانتخابات.
لقد عكست الصورة القانونية لشخص الرئيس الخصاونة شكل الحكومة واهتمامها بجانب التشريع، حيث توسعت في القانونيين، وكأن لديها مشكلة في التشريعات، في الوقت الذي خلت من أي دسم سياسي، مع أننا نعيش في أزمة سياسية، فقدنا فيها حالة الحوار الإيجابي ما بين الحكومة والشارع المحتج. وبصراحة، فإن المطبخ السياسي للتشكيلة الحكومية لا يتقن الحوار السياسي مع الشارع، وليس قريبا من تطلعاته.
أتمنى كل الخير للوطن وللحكومة، وأن تكون قادرة على ترجمة وعودها، وأن تخيّب ظنوننا، ولكن المقدمات لا يمكن لها أن تعطي نتائج عكسية، والخوف أن "تفحلط" الحكومة في أول مواجهة، ولا أتمنى أن تكون "الفحلطة" سريعا، بحيث لا نتجاوز الحراك الشعبي يوم غد الجمعة.