حكومة شارون تتدارك السقوط

     عاد موضوع ثبات الحكومة الاسرائيلية، برئاسة اريئيل شارون، ليطرح من جديد، على ضوء اقتراب موعد تنفيذ خطة فك الارتباط، لإخلاء مستوطنات قطاع غزة، واربع مستوطنات صغيرة في شمال الضفة الغربية، وعلى اساس التوقعات القائلة إن حزب "العمل" الشريك الاساسي في حكومة شارون لن يبقى فيها بعد الانتهاء من تنفيذ الخطة، بل سينسحب منها تمهيدا للانتخابات التي من المفترض ان تجري في خريف 2006، ولكن التوقعات لا تزال تقول انها ستجري قبل موعدها الرسمي.

اضافة اعلان

      من الضروري لفت النظر الى ان استمرار حكومة شارون حتى اليوم هو انجاز لشارون، الذي نجح في تجاوز كافة التوقعات، التي كانت تقول ان الانتخابات البرلمانية قد تجري في هذه الايام، او حتى في اوائل الخريف المقبل، بمعنى قبل موعدها الرسمي بعام كامل، وكانت هذه التوقعات تعتمد على المعطيات الموجودة في تلك الفترة، التي تؤكد الا مفر من التوجه الى انتخابات برلمانية مقبلة، وحتى ان السياسيين، وآخرهم رئيس البرلمان الاسرائيلي (الكنيست)، رؤوفين رفلين، دعوا الى انتخابات مبكرة على ضوء حالة التفكك التي يشهدها البرلمان.

        لقد نجح شارون، بالاساس، في استغلال حالة عدم الانسجام في المعارضة التي امامه في الكنيست، التي تجمع بين اقصى اليمين الى اقصى اليسار، وخارجهما الكتل الثلاث الفاعلة بين الفلسطينيين في اسرائيل، ولهم ثماني نواب، كذلك الأمر فإن شارون اخترق المعارضة بسبب خطة فك الارتباط، مستفيدا من تأييد نواب اليسار الصهيوني ومركز الخارطة السياسية، الذين التزموا امام ناخبيهم وجمهور مصوتيهم انهم لن يعملوا على اسقاط حكومة شارون طالما هي متجهة للانسحاب من قطاع غزة.

          تشير توقعات الى ان حزب "العمل" سيكون ملزما بالخروج من الحكومة، والا يتجه الى انتخابات وهو شريك في حكومة شارون، من اجل ان يبرز تميّزه، وفي الايام القليلة الماضية، أعلن رئيس الكتلة الثالثة في الكنيست "شينوي"، تومي لبيد، انه سيكون على استعداد لضم كتلته، المؤلفة من 14 نائبا، الى حكومة شارون بعد خروج "العمل" منها، ولكن هذا الانضمام لن يضمن لشارون أغلبية لأنه سيكون حينها بحاجة الى ضم الكتل اليمينية المتطرفة، او الكتل الدينية الاصولية لاستكمال الاغلبية العددية، فالاصوليون يرفضون الجلوس في حكومة واحدة مع كتلة "شينوي" العلمانية المتشددة، أما اليمين المتطرف، وبعد الانتهاء من اخلاء مستوطنات قطاع غزة وشمال الضفة، سيكون منهمكا في "الانتقام" من شارون، بمعنى اسقاطه والتوجه الى انتخابات برلمانية جديدة.

          إذا ما نفذ شارون، بالفعل، اخلاء المستوطنات فإن هذا سينعكس على الخارطة السياسية والأجواء السياسية العامة، ويخطئ من يعتقد ان بإمكانه منذ الآن تحديد أي تطور سياسي سيكون في حينه، ولكن هناك قواعد ثابتة في الخارطة السياسية الاسرائيلية ليس مرتبطة في أي تقلبات سياسية، وهو انه حين يبدأ عام الانتخابات فإن الكنيست لا يعود يعمل وفق قواعد سياسية، ويشهد البرلمان حينها حالة من الشلل وتكثر فيه الصراعات التي تهدف بالاساس الى مغازلة المصوّت لكسب تأييده قبل البدء بالحملة الانتخابية.

          حسب القانون الاسرائيلي فإن الانتخابات تجري في أول يوم ثلاثاء من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) كل اربع سنوات، وخلال السنوات الـ 57 الماضية جرت 16 انتخابات برلمانية، ولم تكن سوى اربع انتخابات في موعدها الرسمي، وفي السنوات الثلاثين الأخيرة جرت الانتخابات وفق موعدها مرّة واحدة.

           إن الأجواء السياسية الحاصلة اليوم، وحالة التفتت السياسي في الكتل البرلمانية تؤكد ان الانتخابات البرلمانية ستجري قبل موعدها الرسمي، وعلى الأغلب فإنها ستجري في اوائل الربيع من العام القادم، وليس من المستبعد ان يبادر شارون نفسه الى انتخابات مبكرة فور الانتهاء من خطة الفصل، ليستفيد من تأييد المصوتين له، على خلفية ان غالبية الجمهور يؤيد خطة فك الارتباط.

        السؤال الأهم في كل هذه القضية بالنسبة لنا هو: هل سيكون تحول جدي وجذري في أي انتخابات مقبلة؟ تشير جميع الاستطلاعات، التي تجري منذ فترة طويلة وحتى اليوم، الى ان حزب الليكود برئاسة شارون سيبقى القوة الأولى من دون منافس، وسيبقي فجوة جدية بينه وبين حزب "العمل"، ولكن مع هبوط طفيف لليكود وارتفاع محدود لحزب "العمل"، ففي حين كان لحزب الليكود في الانتخابات السابقة 38 نائبا فإن حزب "العمل" حقق النصف، أي 19 مقعدا، وتقول الاستطلاعات ان "الليكود" سيحقق في حدود 35 مقعدا و"العمل" 26 مقعدا.

ولكن النتائج الاجمالية لهذه الاستطلاعات تؤكد ان الحكومة الاسرائيلية ستبقى في عهدة اليمين الاسرائيلي، وان شارون سيبقى رئيسا للحكومة، إلا إذا حدثت مفاجأة، وبشكل خاص غياب لا ارادي عن الساحة السياسية، وكما تظهر الصورة الآن، فإن الحزبين الاكبرين سيبقيان برئاسة عجوزي السياسة الاسرائيلية اريئيل شارون (77 عاما) وشمعون بيرس (82 عاما) وكلاهما يطمحان لولاية برلمانية من اربع سنوات.

      خلافا لما كانت عليه الصورة قبل عدة اشهر، فإن الانتخابات المبكرة ستخدم اليمين بزعامة اريئيل شارون، لأنه وكما ذكر سابقا، سيستفيد من الاجواء السياسية المحلية والعالمية المساندة له بعد الخروج من قطاع غزة، على الرغم من انه يسعى الى محاصرة القطاع من البر والبحر والجو، وكلما طالت الفترة الزمنية بين الانتهاء من الانسحاب من الانتخابات، كلما تكشفت النوايا السياسية الحقيقية لشارون، الذي ليس لديه ما يعرضه سوى الجمود في العملية السياسية، وهذا ما سيخسّره نقاطا.

      هناك الكثير من العوامل التي من شأنها ان تقلب الموازين في أي انتخابات برلمانية اسرائيلية مقبلة، ومن بينها ان يستفيق اليسار الصهيوني من سباته العميق ويثبت انه بديلا لسياسة اليمين، لأنه على الرغم من كل شيء إلا انه تبقى هناك فوارق بين الاطارين، وإن كانت صغيرة، والأمر الآخر هو ان يستغل فلسطينيو 48 قوتهم، وان يرفعوا نسبة مشاركتهم في الانتخابات البرلمانية الى نفس نسبة مشاركة اليهود، خاصة وان نسبة اصحاب حق التصويت العرب من مجمل اصحاب حق التصويت في اسرائيل ستكون في الانتخابات القادمة في حدود 15%، أي ما تساوي 18 نائبا، وهي اعلى نسبة منذ 57 عاما، ولكن هذه قضية تحتاج لمعالجة أخرى.