حكومة كفاءات

يغرق النواب في جدل أظنه لن يوصل إلى نتيجة؛ مواصفات رئيس الوزراء، وتوزير النواب من عدمه، وتكليف "السابقين" من رؤساء الحكومات أم استبعادهم من الترشيحات.اضافة اعلان
طالعنا بيانات لكتل برلمانية تتضمن المواصفات الواجب توفرها في رئيس الوزراء، وأعتقد جازما أننا لن نجدها مجتمعة متوفرة في شخص واحد. ومن الصعوبة بمكان أن نعثر اليوم على شخصية سياسية تحظى بتوافق وطني عام. أما العودة إلى مناقشة توزير النواب، فهي إضاعة للوقت؛ إذ يعلم الجميع أن الفكرة مرفوضة من حيث المبدأ، وتلقى معارضة شعبية واسعة. ففي هذه المرحلة، يريد الناس نوابا يدافعون عن حقوقهم ويراقبون أداء الحكومة، لا أن يجلسوا على كراسيها.
الكتل النيابية لا تمثل أحزابا، وهي بهذا المعنى لا تستطيع تشكيل حكومات أغلبية سياسية كالتي نعرفها في الدول الديمقراطية العريقة. الأردن ما يزال في البداية، يتلمس طريقه للتحول إلى بلد ديمقراطي، لكنه مثل دول عربية عديدة، يواجه أزمات اقتصادية وسياسية ملحة يتعين معالجتها أولا قبل التفكير في خطوات أوسع في المستقبل.
دول شهدت تحولا ثوريا، مثل تونس ومصر، توصلت نخبها الحاكمة إلى قناعة اليوم بأن وجود حكومات أغلبية سياسية في السلطة ليس كافيا للتغلب على المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية العويصة. في تونس، خلص رئيس الوزراء الحزبي حمادي الجبالي، إلى أن حكومته بتشكيلتها المسيسة ليست مؤهلة لحل مشاكل البلاد، ولابد من حكومة كفاءات تواجه التحديات الماثلة بحلول واقعية، وبدون حسابات سياسية.
أما في مصر، فما يحدث أسوأ بكثير؛ نخب الحكم والمعارضة تخوض حربا ضروسا على السلطة، بينما تقف الحكومة ضعيفة ومهمشة في المشهد بسبب خضوعها الكلي لسلطة الحزب الحاكم. وفي الأثناء، يوشك الاقتصاد المصري على الانهيار، ويُخشى أن الساسة هناك لن يلتفتوا إلى الوضع إلا بعد وقوع الكارثة.
في الأردن، لسنا على حافة الانهيار اقتصاديا، لكننا في وضع صعب للغاية. التحسن الذي طرأ محدود ومؤقت، وتواجهنا استحقاقات معقدة وغير شعبية. مؤسسات القطاع العام تحتاج "ثورة بيضاء" لإصلاحها، ومكافحة الفساد تتطلب قرارات أكثر شجاعة، والمصاعب في قطاعات التعليم والصحة تتفاقم. وهكذا، فإن لدينا ما يكفي من الهموم التي تستوجب التفكير في حكومة تعالج الاحتياجات المباشرة للمواطنين، قبل أن نغرق في خلاف على جلد الدب قبل اصطياده.
لسنا مضطرين إلى خوض تجارب الآخرين، وإنما استخلاص العبر منها كي لا ندخل في متاهة مثلهم.
ما الذي يحول في هذه المرحلة الحساسة دون التفكير في حكومة كفاءات، تتكفل بالتصدي للتحديات العاجلة؟ حكومة تضم شخصيات معروفة بقدراتها وخبراتها في مختلف المجالات، ولا تخضع للحساسيات السياسية والنيابية، بل يكون المعيار الأساسي لاختيار طاقمها هو الكفاءة التي تتلازم بالضرورة مع النزاهة ونظافة اليد.
لم يعد لدينا الكثير من السياسيين الذين يحظون بالقبول والاحترام، لكن هناك المئات من أصحاب الكفاءات الذين يلقون التقدير في المجتمع بسبب كفاءتهم وتميزهم. وأعتقد أننا بحاجتهم في هذه المرحلة، وربما لمرة واحدة، أكثر من حاجتنا إلى سياسيين تستهويهم لعبة المناصب.