حكومة من حكومتين

كل يومين تنشغل عمان بقصص جديدة، حول تعديل مرتقب على حكومة د. عمر الرزاز، تارة من حيث توقيته، وتارة من حيث عدد الوزراء الذين سيخرجون.اضافة اعلان
مرات يقولون لك إن التعديل الوزاري، قبيل شهر رمضان، واحيانا ان الرئيس تلقى نصيحة بأن يؤجل التعديل الى ما بعد رمضان، هذا على الرغم من ان اجراء التعديل او استمرار الحكومة كما هي ،لا يغير من الواقع شيئا، ابدا، ولو كنت محل الرئيس، والحمد لله انني لست كذلك، لما أجريت تعديلا، وسجلته على حسابي، أمام الرأي العام في الأردن، لاعتبارات كثيرة.
لا بد أن يقال هنا، وبصراحة، إن سابقة التعديل التي أجراها الرئيس على حكومته، كانت مخيبة للتوقعات، فقد أخرج وزراء دون سبب واضح، وحملهم وزر أخطاء حكومته، وكانوا مجرد ضحايا لترضية الشارع، فيما حافظ على وزراء آخرين، كان لا بد أن يخرجوا، وهذا يثبت أن التعديل لا يخضع أساسا لمعايير دقيقة، حتى وإن قيل ذلك، ويرتبط ربما بكيمياء المحبة والكراهية، او التحريض المبطن ضد هذا الوزير أو ذاك، أو استجابة لتعليقات وسائل التواصل الاجتماعي، دون أن يكون هناك سبب مهني، يبرر إخراج هذا الوزير، وبقاء ذلك الوزير، وما بينهما من قوس علاقات عامة، تلعب دورا أساسيا، في تحديد أسماء المطرودين من جنة الرابع.
الأدهى والأمر، أن لا أحد يريد أن يعترف أن الحكومة بإمكانها أن تستمر دون تعديل، ودون عمليات تجميل، هذا على الرغم من أن الرئيس ورث ثلاثة ارباع حكومة الدكتور هاني الملقي، التي سقطت بغضبة رمضان العام الفائت، لكن وزراء الملقي خرجوا من الباب وعادوا من الشباك، وكأننا أمام حكومة برأس جديد، فيما ثلاثة أرباع جسدها، من زمن سابق، ونرى كي لا يعترض أحد، هذا على الرغم من ان الحكومة جاءت على أنقاض حكومة سابقة، مغضوب عليها، ذات رمضان.
المهم أيضا، هنا، اننا تعلمنا من تجارب كثيرة، استقال فيها وزراء، وبقيت وزارتهم تدار عبر الأمناء العامين، فلن تتوقف اعمالها، او تم إحالة ملفاتها إلى وزراء آخرين، من اجل ادارتها عبر الدمج، او الإدارة المؤقتة، فلم يتغير شيء، ولم تتوقف ساعة الحياة في الأردن، بما يثبت أن موقع الوزير على الأغلب، سياسي، وأن الأمين العام، وكادر الوزارة هو الذي يديرها، دون ان ننكر هنا، أهمية وجود وزير حيوي.
إذا كان رئيس الحكومة، ما يزال قادرا حتى الآن، وعلى الرغم من كل الصراعات، والمنافسة، والثنائيات واللوبيات الصغيرة داخل حكومته، على الاستمرار بهذه الحكومة، فإن الأولى أن يرتب بيته الداخلي، لا أن يجري تعديلا حكوميا، مشيرا هنا إلى أن اجراء تعديل وزاري على ذات طريقة الرئيس في تعديله الوزاري الأخير، سيؤدي إلى نتائج وخيمة، من حيث غياب التبريرات المنطقية، لأسباب خروج هذا أو توزير ذاك، ثم تحول التعديل إلى فاتورة كبيرة، تتنزل على كتفي الرئيس.
رؤساء الحكومات يعتبرون التعديل الوزاري، دليلا على منح الحكومة عمرا إضافيا، وعلى استمرار الثقة، أي ان اغلب الرؤساء يرون في التعديل مجرد مناقلات، لها غاية وظيفية، تتعلق بتقوية وجود الحكومة، وليس بسبب وجود خلل في أداء أي وزير، ولو كانت القصة قصة خلل، لما بقي الوزير عاما، وعامين، ثم تذكروا فجأة ضعفه.
وأخيرا، فإن الرئيس إذا كان مضطرا لإجراء تعديل وزاري، ولا مفر له من هذا المسرب، فإن عليه بكل صراحة، تغيير الوزراء الاقتصاديين، والسياسيين، وبعض الوزراء الذين ترتبط مهماتهم بخدمات المواطنين، وعليه ان يشرب حليب السباع، في تعديله، ويثبت ان بإمكانه توليد حكومة الرزاز الفعلية، من حكومة الملقي التي يديرها، حاليا، بدلا من هذا الخلط العجيب، بين حقبتين.
ثم تذكروا، أن الناس، لم يعد يهمهم كل هذا الأمر، وأنهم كل ما وقفوا عنده، هو وضعهم الاقتصادي، ومعاجنهم الخالية من الطحين، والتي تفيض فقط، بالكلام الجميل.