حكومة نتنياهو الأشرس

يعرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم الاثنين المقبل، حكومته الثالثة على الكنيست لنيل الثقة. وهي الحكومة الأشرس من سابقتيها اللتين قادهما نتنياهو من حيث تطرفها، ما يؤكد طبيعة نتنياهو الشخص الذي لا يحتاج إلى من يضغط عليه من اليمين كي ينتهج سياسة متطرفة في تصاعد مستمر. فحتى ورقة التوت التي اختارها في حكومته؛ تسيبي ليفني، ليبث أوهاما أمام العالم، هي ورقة ذابلة جدا، ووجودها في الحكومة مسألة وقت.اضافة اعلان
فعلى مدى الأسابيع الستة الماضية، بدا نتنياهو كمن خضع لضغوط من الشريكين المركزيين في حكومته الجديدة؛ حزب "يوجد مستقبل" برئاسة الصحفي يائير لبيد، وحزب عصابات المستوطنين "البيت اليهودي" برئاسة نفتالي بينيت، في مسائل تتعلق بالقضايا الداخلية، خاصة تلك المتعلقة بجمهور المتدينين المتزمتين "الحريديم"، والسعي إلى فرض الخدمة العسكرية الإلزامية عليهم، والتي يرفضونها من منطلقات دينية فقط.
وشكّل نتنياهو حكومة فيها الكثير من التناقضات، ما يعني عدم استقرارها. فهي ستعمل فيما يشبه "حقل ألغام" في القضايا الداخلية على وجه الخصوص، إذا افترضنا أن السواد الأعظم في الائتلاف الجديد غير معني إطلاقا بالانشغال في المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، وهذا ما كان واضحا خلال المفاوضات. فحين اتفق نتنياهو مع رئيسة حزب "الحركة"، ليفني، على أن تتسلم ملف المفاوضات، وتحت إشراف نتنياهو، اعترض حزب المستوطنين "البيت اليهودي" على الأمر، وقال رئيس الحزب بينيت، إنه لن يقبل بهذا الاتفاق إطلاقا، أو كما قال: "انسوا الأمر كليا".
ولكن الضجة التي أثارها بينيت، وباقي قادة عصابات المستوطنين في حزبه، هدأت بسرعة غريبة. وتفسير هذا الهدوء واحد ووحيد، وهو أنهم تلقوا تطمينات مقنعة من نتنياهو الذي يواصل تغييب أي حديث عن المفاوضات والقضية الفلسطينية. وهذا ما يبرز في جدول أعمال اللقاءات مع الرئيس الأميركي باراك أوباما في إسرائيل الأسبوع المقبل؛ إذ تصر إسرائيل على أن على رأس الاهتمامات ستكون إيران، ثم سورية، ومن ثم سيكون حديث إعلامي بشأن القضية الفلسطينية.
وستظهر وجهة هذه الحكومة فيما يتعلق بالمفاوضات، حينما ستقرر ليفني ممارسة "صلاحياتها". فهي شخصيا لا تحمل أجندة حل، بل أجندة إدارة للصراع، وإبقاء المفاوضات في دوامة لا مخرج منها. ولكن حتى هذا لن يرضي اليمين المتطرف، الذي هو الغالبية الساحقة من نواب الائتلاف، بمن فيهم نواب حزب "يوجد مستقبل"، الذي ظهر في الانتخابات وكأنه حزب "وسط"، ولاحقا كشف رئيسه أكثر عن وجهه اليميني.
ولهذا، من الأفضل للقيادة الفلسطينية أن لا تستعجل استقبال ليفني، قبل معرفة نوايا الحكومة التي ستتحرك باسمها، لأن هذه الحكومة لن تسمح حتى بانسحاب من شارع ضيق ومتعرج في الضفة الغربية المحتلة.
والحال لا تختلف على مستوى سياسة التمييز العنصري ضد فلسطينيي 48، بل تزيد. فكل المؤشرات تقود إلى استنتاج أن هذه الحكومة ستعمق هذه السياسة، وستزيد من سن القوانين العنصرية. ورفض نتنياهو استمرار رئيس الكنيست رؤوفين رفلين، في منصبه، واستبداله بمتطرف أشد، لهو مؤشر أكثر على ما في جعبة نتنياهو من قوانين وإجراءات عنصرية.
فرفلين يميني متشدد على المستوى السياسي العام، فيما يخص الاحتلال والاستيطان، ويرفض الدولة الفلسطينية. ولكنه من جهة أخرى، آخر شخصيات التيار الأيديولوجي في "الليكود" الذي يطرح رؤية أقل عنصرية في التعامل مع فلسطينيي 48، وهذا ما ثبت في ممارسته البرلمانية، ومعه ثلاثة وزراء آخرين، هم بنيامين بيغين، ودان مريدور، وميخائيل إيتان. إلا أن هؤلاء الثلاثة أطاح بهم تيار نتنياهو في الانتخابات ومنع ترشيحهم، والآن يستكمل نتنياهو المهمة بمنع رفلين من تولي رئاسة الكنيست، ليمنع أي عقبة، ولو كانت هامشية، أمام إقرار القوانين العنصرية.
كما ذكر، فإن هذه حكومة عدم استقرار على المستوى الداخلي، ولهذا فإن نتنياهو أبقى بين يديه خيارات بديلة لتشكيلة حكومته، قد يحتاجها بعد فترة ليست طويلة. أي أن نتنياهو سيعمل على تمرير ولايته الجديدة في القفز على الألواح غير المتماسكة العائمة على مستنقع العنصرية والاحتلال والاستيطان، وهو المشهد الغالب على الحلبة السياسية التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة.

[email protected]