حكومتنا الإلكترونية

قادتني أغراض خدمية باتجاه دائرة الأراضي والمساحة في عمان لاستخراج (كوشان) شقة، وراقني أنني لأول مرة أستخدم الخدمات الإلكترونية الحكومية التي وجهتني لتعلمه ووضعت لي خطوطه العريضة مشكورة إحدى الموظفات في الدائرة.اضافة اعلان
الصدفة، وربما حساسية الصحفي وحركشاته، دفعتني للتحدث عبر الخط الساخن الموجود أمام المراجعين بهدف تلقي أي شكوى أو استفسار، وكان هدفي من استخدامه هو الاستعلام عن بعض القضايا الخدمية، فكان الرد سريعا، والخدمة دقيقة عبر الموظفة التي تلقت اتصالي وكانت ردودها على كل استفساراتي واضحة، وطريقة تعاملها راقية، ومعالجتها لكل سؤال حرفي ومحترف، ولبق، وطبعا أثناء الاتصال وضعت اسمي فقط، دون أن أوضح لمتلقية الاتصال طبيعة عملي كصحفي، فقط كان المطلوب مني أن أخبرهم بالخدمة التي أريد.
المهم، حصلت على التوضيح والخدمة التي طلبت، واستخرجت الكترونيا (كوشان) وبات لي رابط باسمي ورقم سري ورمز دخول، في دائرة الأراضي والمساحة أستطيع أن ألج من خلاله لطلب الخدمات التي أريد من الدائرة دون عناء انتظار الدور أو الشكوى من ازمة وتكدس مراجعين، إذ انني علمت من خلال الموظفة المعنية انني أستطيع أن أحدد إن كنت أرغب أن تصلني الخدمة التي طلبتها للبيت او المكتب ام انني اريد ان احصل عليها من خلال زيارة خاطفة للدائرة، وهذا ايضا تطور إيجابي ومحمود.
قصة مراجعتي لدائرة الاراضي التي أرويها للقراء حاليا لم تكن لتحكى لو أنها توقفت عند ذاك فقط، إذ أن ما حصل آنفا طبيعي في ظل توسع الكلام الحكومي عن المشاريع التنموية التي تتبناها المملكة لتحقيق التنمية المستدامة والتطوير في جميع جوانب الحياة، واستخدام تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات لتمكين الوصول الميسر للخدمات والمعلومات الحكومية لكافة المستخدمين بغض النظر عن موقعهـم الجغرافـي أو وضعهـم الاقتصادي أو قدراتهم الفنية، إذ أن كل ذلك يظهر طبيعيا وعاديا في ظل هذا الاندفاع باتجاه الحكومة الالكترونية، وبالتالي فان الخدمة التي حصلت عليها تبدو أكثر من عادية، ولكن استوقفني اتصال بعد نصف ساعة من حصولي على الخدمة  للاستيضاح إن كنت حصلت على ما أريد بشكل سلس أم لا؟، وهو ما أثلج صدري، فالاتصال لم يصلني باعتباري صحفيا، فالمتصل لم يعرف طبيعة عملي، وإنما جرى التواصل معي باعتباري مواطنا، وباعتبار المتصل بي موظفا يقوم بدوره الخدمي، وهذا هو الأمر الإيجابي المحمود الذي أفرحني، وجعلني أشعر بأن هناك من يعمل بقناعة لتحقيق الرؤية التي تقوم عليها الحكومة الالكترونية، وهي التركيز على إرضاء متلقي الخدمة من خلال توصيلها له باستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة وإدارة المعرفة وتوظيف الخبرات والكفاءات والكادر المؤهل لتطبيق برنامج الحكومة الالكترونية ومبادراتها بحيث تكون سهلة ومقبولة للمواطنين، والتخفيف من المركزية في تطبيق التعاملات الإلكترونية الحكومية بأكبر قدر ممكن.
وقت ذاك شعرت أن وجود موظفين حريصين على إدامة التواصل وتلقي الملاحظات يثبت ان الجهاز الاداري الحكومي يمكن أن يخرج من بيرقراطيته في التعامل مع المواطنين، ما دفعني للاستبشار بنجاح التجربة، والدعاء لله بأن يستمر هذا النهج في التعامل مع المواطنين طوال الوقت وليس لفترة محدودة فقط، فلو أردت أن أعكس شعور مواطن مراجع لدائرة حكومية فإنه سيسعد كثيرا لو تواصل معه مدير إدارة التطوير مثلا للاستفسار إن كان قد واجه أي تأخير، ويعتذر عن أي تأخير إن حصل.
لست معتادا على الثناء على ما تقوم به الحكومة باعتبار أن أي أمر إيجابي تقوم به هو واجبها، وأن من يقف بوجه المسؤولية العامة ليس بحاجة لثناء بقدر حاجته لتقويم، ولكن أراني مندفعا للكتابة والثناء على فكرة الحكومة الالكترونية، لأن متابعة خدمة المواطن من شأنها بناء ثقة بينه وبين المسؤول، واستمرار هذا النهج سيخرج إدارتنا الحكومية من البيرقراطية التي نلمسها أحيانا لمجالات تنافسية أوسع.