حمدان: "حبر ابيض" خلاصة تجربتي الشعرية على مدى ستة عشر عاما

حمدان: "حبر ابيض" خلاصة تجربتي الشعرية على مدى ستة عشر عاما
حمدان: "حبر ابيض" خلاصة تجربتي الشعرية على مدى ستة عشر عاما

شاعر اردني يرى "ان القصيدة كالحياة معقدة وبسيطة"

 

حاوره:  زياد العناني

اضافة اعلان

   عمان- يرى الشاعر مروان حمدان ان علاقته بالقصيدة تحكمها عدة صراعات عنيفة وجدلية سواء من حيث السيطرة عليها او من حيث بنيتها الداخلية والخارجية.

ويصر حمدان على ان هذه العلاقة تتخللها جملة من التواترات التي ساهمت في عدم اقدامه على نشر مجموعته الاولى على الرغم من انه بدأ شاعرا في التسعينيات ولم يسع لنشرها الا بعد انتهاء هذا العقد وبداية الالفية الثالثة متهيبا من نفسه ومن قصيدته التي يخاف ان تطعنه في ظهره ان لم يتحكم بها ويصل معها الى تسوية مرضية بحسب ما يقول.

"الغد" التقت صاحب مجموعة "حبر ابيض" في هذا الحوار الذي يعد الاول معه منذ بداياته حول تجربته الشعرية وصراعاته مع الجوانب الجمالية في القصيدة التي يكتبها.

* بعد انقطاع طويل عن المشهد الشعري عدت اليه بمجموعتك الاولى "حبر ابيض" السؤال: لماذا انقطعت ولماذا عدت مجددا؟

- لم انقطع ابدا عن المشهد الشعري وبقيت مطلا عليه منذ بدء اول لحظة شعرية لي, لكنني طيلة هذه السنوات التي سميتها انقطاعا كنت على صلة جيدة بهذا المشهد من خلال متابعة الحراك الشعري والادبي في الاردن وفي الوطن العربي وفي العالم الى حد معين ، كنت اقف في زاوية وانظر الى ما يتحرك في الزوايا الاخرى من الساحة الابداعية, ربما كنت مقلا في النشر وهذا يعود لاسباب خاصة بي وبعلاقتي مع القصيدة نفسها فعلاقتي بقصيدتي ليست سهلة ابدا وهي تحكمها صراعات عنيفة جدا حتى نصل انا والقصيدة الى نقطة نحس بها فعلا اننا تعبنا من بعضنا  وانهكنا بعضنا ، عند هذه اللحظة كنت اسعى لنشر القصيدة حتى اتخلص منها وتتخلص مني, ومما يثير بيننا هذه العلاقة الجدلية هو انني اخاف على قصيدتي كثيرا كما اخاف منها ايضا لانني ارى اذا لم اسيطر عليها جيدا واتحكم ببنيتها سواء الداخلية او الخارجية فإنها ستنقلب علي وتطعنني من الخلف, علاقتي مع قصيدتي ليست سهلة ابدا فهي في توتر مستمر منذ لحظة الارتعاشة الاولى للكلمة الاولى فيها وحتى لحظة التعب منها وما بعد ذلك من محاولات لاغتيال الاجزاء التي احس فيها ان قصيدتي ستطعنني بواسطتها.

* هل انت راض عن مجموعتك "حبر ابيض" وما هي اهم الانطباعات التي خرجت بها بعد نشرها؟

- "حبر ابيض" هي عبارة عن خلاصة تجربتي الشعرية على مدى ستة عشر عاما من الفعل الشعري الخالص بمعنى ان هذه المجموعة لا توثق للتجربة بأكملها وانما تلتقط وتعرض ملامحها الاساسية لا اخفي انني ترددت طويلا في نشر مجموعتي الشعرية الاولى "حبر ابيض" وهذا لا يعود كما هي العادة عند اغلب المترددين الى تهيبي من طرح نتاجي الشعري في الساحة الادبية ووسط حراك ادبي وشعري قد يجهض هذه التجربة لاسباب كثيرة, انما ترددت في نشر مجموعة اولى لي بسبب علاقتي الخاصة بالكتابة والقصيدة ولم اتحرك لنشر هذه المجموعة الا بعد ان احسست ان ستة عشر عاما قد تقنعني بأننا وصلنا انا والقصيدة الى تسوية مرضية لكلينا, احسست براحة كبيرة جدا بعد نشر "حبر ابيض" كأنني نفثت من صدري هواء تجمع فيه طيلة هذه السنوات بل انني بالفعل انهيت بهذا النشر صراعا دام طويلا ، لابدأ بعد ذلك صراعا جديدا واكثر عنفا بدأ يتشكل في القصائد القليلة جدا والتي كتبتها بعد صدور "حبر ابيض" وهذا الصراع كما احس به الآن سيكون مختلفا جدا وسيأخذني الى ساحات حروب جديدة.

* لماذا تبدو القصيدة عندك صراعات وحروب, برأيك اين يكمن الاقتراح الجمالي في هذه الجوانب؟

- الصراعات موجودة في العلاقة نفسها, علاقتي بالقصيدة ومسيرتي في التفاعل معها وفي كتابتها لكن هذا لا يعني ان قصيدتي هي مجرد صراعات وحروب انها ابعد ما تكون عن هذا الجو سواء في بنيتها او في رؤيتها ، قصيدتي تسكن ارضا انسانية محضة وتتمسك باللحظة الانسانية لكي لا تجعلها تهرب منها, قصيدتي ليست قصيدة حكمة او وعظ او تبشير كما انها ليست قصيدة الغموض والعجائبي ولا احس بأنها قصيدة تسعى الى تفجيرات لغوية عنيفة هي ببساطة حالة انسانية محضة بمختلف تعبيرات هذا الانسان, القصيدة عندي هي كما الحياة بمعنى انها بسيطة ومعقدة في الوقت نفسه ومتعددة الجوانب والتأويلات اي ان لها شخصيتها التي تحب وتعشق وتبكي وتغضب وتكره ولها لحظاتها البشرية الطينية كما لها لحظاتها الروحية السماوية هذه الطبيعة التي تشكل قصيدتي تدفعني دائما الى ان اخلق شخصية مستقلة لهذه القصيدة تعبر عنها اكثر مما اعبر انا عنها ولهذا كثير ما اعود الى قراءة قصائدي لاتحاور مع شخصيتها وكأنها بالفعل انسان آخر (صديق ربما) يكون مختلفا في كل مرة التقيه.

* ماذا عن البنية او الشكل والى اي شكل انتمت قصائدك القديمة منها والجديدة ايضا؟

- في بداياتي كنت احرص جدا على الشكل العمودي لقصيدتي ليس لمجرد انه كان شكلا قوية مرتبطا بالفعل الشعري ولكن لأنني ارتبطت منذ صغري بالايقاع الشعري ولهذا كنت احس بموسيقية هذا الشكل سواء في كتابتي للقصيدة او في قراءتي لقصائد الاخرين لكنني انقلبت على هذا الشكل بعد ان استنفذته واستنفذني ، اقصد في توتر العلاقة بيننا ووجدت في قصيدة التفعيلة مجالا اخر لتعبير شعري جديد وقد تواصلت مع هذا الشكل سنوات عديدة وان كنت كسرته في لحظات معينة الا انني بقيت مرتبطا به الى ان بدأت منذ فترة قريبة بالانقلاب على هذا الشكل والتوجه الى الكتابة البعيدة عن الوزن الشعري.

* هل تعد الانقلاب على الشكل العمودي وعلى قصيدة التفعيلة تطورا شعرا ام انه مجرد مشي في الركب الذي تقودنا اليه قصيدة النثر الآن؟

- هو تطور بالفعل بقدر ما هو معبر في الوقت نفسه عن تطور الانسان وتطور الحياة نفسها بمختلف ابعادها وافكارها وتقنياتها وظروفها وهذا لا يعني رفض الاشكال القديمة للتعبير الشعري اذ ان هذه الاشكال تظل الجذور التي تجعلنا نتشبث بالارض المزروعين فيها ويظل في الروح ذلك الحنين الشغيف اليها, كثيرا ما اعود الى قراءة بداياتي الشعرية العمودية يدفعني الى ذلك حنين بحث لمجرد قراءتها فقط, قصيدة النثر هي التطور الاحداث للمسيرة الشعرية وليست نهاية لهذا التطور بمعنى انها مرحلة ستأتي بعدها مراحل اخرى ما دامت هناك حياة على هذا الكوكب وما دام هنالك انسان يدرك معنى وجوده على هذه الارض ويدرك اهمية التعبير عن نفسه وعن روحه مها كان شكل هذذا التعبير ومهما كانت الوسيلة التي يعبر بواسطتها.

* لماذا دائماً ترتبط قصيدة النثر بالشعراء الذين يمتلكون لغة ثانية او شعراء الترجمة؟

- هذا ليس شرطاً لشعراء قصيدة النثر وان كان امراً غالباً عليهم وهو يعود الى ان اللغة الثانية التي يمتلكونها تجعلهم يطلعون على ابداعات وثقافات الاخرين الذين يكتبون بتلك اللغة الثانية وهذا الاطلاع لا يكون اطلاعاً محايداً بمعنى ان ثقافات الاخر وشعر الاخر لا بد وان يؤثر على من يقرأه وخصوصاً المبدعين ، وهم الاكثر قدرة على الامساك باللحظة الابداعية لدى الاخرين والتفاعل معها وهذا لا ينفصل بأي حال من الاحوال عن التطور الكبير الحاصل في العالم هذه الايام اذ لم يعد المبدعون وحدهم هم من يطلع على الابداعات الاخرى في العالم ويتفاعلون معها فالاداب والفنون العالمية متوففرة الان ومن السهل الوصول اليها عن طريق الانترنت وهذا طريق يسير فيه الجميع الان واعتقد ان امتلاك لغة ثانية هذه الايام اصبح امراً ضرورياً لكل انسان يريد بالفعل ان يعيش العصر الذي هو فيه.

* ماذا عن ازمة الشعر هل هي ازمة بالفعل ام ازمة في التلقي؟

- هي ازمة في العلاقة نفسه وبين مختلف اطرافها الشاعر والنص والمتلقي. الشعر في عالمنا العربي وكذلك في العالم بأكمله موجود بكثرة وتحس احياناً انه يفيض عن جوانب هذا الكوكب والشعراء اعدادهم كبيرة ايضا ولا ارى ان هناك ازمة في التلقي وخصوصاً في عصر الانترنت فأنا على سبيل المثال تصل قصائدي وبشكل حقيقي الى البريد الالكتروني لما يقارب من مائة الف قارىء كا تصل قصائد غيري اذن عناصر هذه المعادلة موجودون وحقيقيون ، ولكنني اعتقد ان الازمة تكمن في عدم التفاعل بين هذه العناصر. اذ لا يوجد ارتباط قوي بينها وهذا التفاعل لا يمكن تقويته الا اذا استطعنا الوصول الى ارتباط مجرد بين الشاعر والنص والمتلقي وهذا الارتباط المجرد يكمن في احساس حقيقي بالقصيدة لذاتها وشخصيتها التي تحملها وليس قياساً على ما هو شائع من (مواصفات ومقاييس) يستخدمها كثيرون للحكم بمختلف انواعه على النص وكتابته ومتلقيه. كثيراً ما اقرأ نصوصاً تنشر في صفحات بريد القراء في الصحف او الصفحات المخصصة لرسائل القراء وكتاباتهم واجد فيها عدداً لا بأس به ممن يمتلكون ادوات الكتابة المحترفة لانني اعمل دائماً ان اقيم علاقة انسانية بيني وبين النص الذي اقرأه بعيداً عن اي اعتبارات اخرى حتى علاقتي بنصي الذي اكتبه. اذن وكما قلت الازمة موجودة في العلاقة بين اطراف الفعل الشعري. كيف يمكن ان تلتقي هذه الاطراف في حوار انساني بحت.

( تصوير اسامة الرفاعي )