آخر الأخبار حياتناحياتنا

حمزة شاب يحصّن نفسه بالأمل ويخوض تجربة العمل بإصرار وتحد

ربى الرياحي

عمان- بقلب محصّن بالأمل والإصرار والطموح؛ يُقبل الشاب حمزة بركات ابن الـ 26 عاما على الحياة، فهو يقدس العطاء والإنجاز، ويسعى لأن يتميز وينجح وأن يعيش واقعه وإن كان صعبا.
حمزة لم يقبل إلا أن يكون قويا مستقلا معاندا لكل الظروف الصعبة التي علمته كيف يواجه الحياة، ويتحدى حتى نفسه ليثبت أن نقص الأكسجين الذي يعاني منه لا يمكن أن يكون سببا في تقييده ومنعه من ممارسة أحلامه. هو أراد أن يتحلل من سطوة العزلة والانطواء متكئا على قوته وشغفه فنجح في أن ينال كل ذلك وأكثر فقط لأنه رفض أن يركن للخوف والخمول.
تقول والدة حمزة سهير أبو عبده، “لم يكن ابنها يوما شخصا ضعيفا أو عاجزا عن أن ينجز ويحقق ذاته، بل على العكس حمزة أثبت أن الحياة تليق به وأنه جدير بأن يعيشها، هو ببساطته تمكن من أن يكون قريبا من الجميع ابتسامته الدافئة وروحه المحبة واحترافه اعتناق الأمل كل تلك الأمور مجتمعة أهّلته لأن يكون شخصا مميزا واجتماعيا قادرا على الوقوف بشموخ أمام أحلك الظروف وأقساها”.
نقص الأكسجين الذي يعاني منه حمزة حسب قول الأم أثر على الجزء الأيسر من الدماغ الأمر الذي أدى بالتالي إلى بطء في وظيفتي الحركة والنطق لديه. وتبين أن تركيزها آنذاك كان منصبا في الدرجة الأولى على دعمه نفسيا وتسليحه بالثقة حتى يتمكن من التعاطي مع محيطه ويتغلب على استهزاء البعض منه وتعرضه للتنمر من قبل زملائه في المدرسة.
وتبين الأم أن زملاء ابنها كانوا يتصرفون معه بقسوة ترغمه على أن يكون شخصا عنيفا يلجأ أحيانا للضرب للدفاع عن نفسه، لكن تهيئته نفسيا بعد ذلك ساعدته كثيرا بأن يتأقلم مع حالته والتعامل مع كل المضايقات التي تواجهه بطريقة مختلفة.
لم يكن الأمر هينا عليها أبدا أن تصل بابنها إلى بر الأمان وسط كل الصعوبات التي اعترضتهم، لكن بإصراره الكبير نجح في أن يكون أكثر هدوءا وشخصا منضبطا قادرا على التحكم بأعصابه أمام كل المواقف التي تستفزه وتزعجه وتقوية شخصيته وإكسابه المهارات المختلفة، وتمكينه من أن يكون مستقلا في كل شيء، ما ساهم بصنع إنسان محبوب وموضع احترام كل من يعرفه.
أكاديميا، حمزة لم يستطع اجتياز امتحان الثانوية العامة كما بقي ضعيفا نوعا ما في مهارتي القراءة والكتابة، لكن حبه للاستكشاف جعله يتوجه لكل ما هو إلكتروني.
أما عن اللحظة الأصعب في حياة حمزة فقد كانت لحظة وفاة والده، إذ إن صدمة فقدانه للسند أدخلته في انتكاسة كبيرة أعادته لنقطة الصفر.
لم يتقبل تلك الخسارة بسهولة فما كان منه إلا أن فرض على نفسه العزلة لأكثر من شهرين تقريبا انقطع فيهما عن العالم الخارجي بسبب حزنه ورغم أن هذه الفترة كانت بكل ما فيها موجعة وقاسية، إلا أن إرادته الصلبة ووقوف عائلته إلى جانبه إضافة إلى الدعم النفسي الذي تلقاه في ذلك الوقت من طبيبه النفسي كلها أسباب مكنته من تجاوز المحنة والاستقواء على أوجاعه.
عاد لحياته محمّلا بالطموح والأمل رافضا الوقوف في المنتصف وباحثا عن نفسه وسط تلك التحديات، فكانت خطوته الأولى هي اختباره الحياة العملية، وتصميمه على أن يكون منجزا شاعرا باستقلاليته وبأن له حقا كغيره.
دخول حمزة إلى سوق العمل بداية كان من خلال والدته التي سهلت الموضوع أمامه وأتاحت له الفرصة لكي يعتمد على نفسه، لكونها تمتلك محلا لبيع الساعات.
شعور الراحة والطمأنينة بالنسبة للأم لم يدم طويلا فقد بدأت تشعر بأن حمزة أصبح اتكاليا بعض الشيء نتيجة الخوف الزائد عليه من قبل جده وأخواله وهذا أخذ يدفعها للتفكير بحل آخر يستطيع حمزة من خلاله أن يكون أكثر استقلالا.
وعن المشكلات التي تفقد حمزة هدوءه واستقراره؛ تفسره الأم أنه يعود لجهل البعض بالتعامل مع هذه الفئة وإشعارهم بالغربة اجتماعيا ونفسيا، مشيرة إلى أن المشكلة ليست بإدراك هؤلاء الأشخاص وإنما بإحباط المجتمع لهم فكلمة واحدة كفيلة بأن تعيدهم إلى الوراء.
يعمل حمزة اليوم في فندق الإنتركونتننال، ويسجل حضوره في مسيرة عملية بمساعدة جمعية سنا التي كان لها فضل كبير في تمكينه من تثبيت أقدامه هناك حيث النجاح والإنجاز ذلك الطريق المحرض على الحلم.
وتلفت الأم إلى أن المعيقات كثيرة في هذه المرحلة، لأن التركيز الأكبر يكون على بناء الثقة لدى هؤلاء الأشخاص، إذ أنه لا يمكن الاكتفاء فقط بتعليمهم المهارات الاجتماعية، فهم بحاجة لمن يدعمهم ويمنحهم الأمان والتقبل ليكونوا قادرين على استغلال الفرص والتعامل مع محيطهم دون خوف.
والفضل كما تقول، للمدرب محمد الكرمي الذي درب حمزة ليمتلك العديد من المهارات الاجتماعية، إلا أنه بحاجة أيضا لأن يتحكم بانفعالاته وضبط نفسه في بعض المواقف، بالإضافة إلى ضرورة إكسابه مهارات جديدة ليستطيع التعامل مع مديره وزملائه في العمل.
اهتمام جمعية “سنا” بتشغيل هذه الفئة، لم يكن إلا من منطلق الإيمان بحقوق هؤلاء الأفراد وإشراك المجتمع ومؤسساته على اختلافها بحمايتهم وتأمينهم ماديا ومعنويا وهي خطوة جديدة لم يسبقها إليها أحد.
دورها الحقيقي يتلخص بانتشال هؤلاء الأشخاص من الضياع ووضعهم على الطريق الصحيح والآمن، ولا يقف دور الجمعية عند هذا الحد فحسب، بل يتابعونهم باستمرار حتى بعد انتهاء فترة التدريب يبقون على اتصال دائم بالشخص للتأكد من أنه يعامل معاملة سوية، لإثبات ذواتهم وتسجيل حضور مميز.
وتوجّه الأمّ رسالة للمجتمع متمنية من كل شخص أن يدرك جيدا أن هؤلاء الأشخاص طبيعيون بوضع خاص وأن أهاليهم بذلوا جهودا كبيرة في تأهيلهم وتمكينهم وإيصالهم إلى ما هم عليه من تميز وليس من حق أحد أن يهدم تعبا قد يكون استغرق وقتا طويلا أشهرا وسنوات فقط لأجل أن يتسلى ويتنمر.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock