ترجمات

حنان عشراوي: بين إرث ترامب ونهج بايدن.. ما الذي تغير؟ (3-3)

حنان عشراوي*‏ – (تقرير واشنطن عن شؤون الشرق الأوسط) عدد أيار (مايو) 2022
ترجمة: علاء الدين أبو زينة

الكلمة الرئيسية التي شاركت بها الدكتورة حنان عشراوي عن بُعد في المؤتمر الذي عقده “الاتحاد التعليمي الأميركي” في 4 آذار (مارس) 2022 في “نادي الصحافة الوطني” في واشنطن، تحت عنوان “تجاوز اللوبي الإسرائيلي في الداخل والخارج” Transcending the Israel Lobby at Home and Abroad، وضم عدداً من المتحدثين الذين تناولوا مختلف العناوين المتعلقة بإسرائيل واللوبي الإسرائيلي.

وصدرت أوراق المؤتمر في طبعة خاصة من مجلة “تقرير واشنطن عن الشرق الأوسط” في أيار (مايو) 2022. وناقشت الدكتورة عشراوي في كلمتها السياسات التي تغيرت منذ إدارة ترامب، إن وجدت، والأمل الجديد لمستقبل فلسطين.‏

* *
هل هناك متسع للأمل؟‏

‏الآن بالنظر إلى كل ما ذُكِر، هل هناك مجال للأمل؟ كان هذا هو الجزء الأخير من السؤال الذي طُرح عليّ. أعني أنها ليست مسألة أمل أو تفاؤل. إنها مسألة تتعلق بقراءة الواقع، وهو واقع خالطه الكثير من الظلم، ولو أنه شهد الكثير من التحولات والتغيرات.

ولكن، على الرغم من كل المحاولات الرامية إلى إحياء توجهات ولغة الماضي، ‏‏والوضع السابق ‏‏الذي كان في حد ذاته مدمرًا -بناء على عمل اللوبي الإسرائيلي والدعاية الإسرائيلية ‏‏والهسبارا‏‏- فإن فلسطين هي جزء من المستقبل.


لن يعاد حبسنا في الماضي، حيث تم إهمالنا، ووصمُنا وتشويهنا. هناك عملية إعادة أنسنة تحدث. لقد أصبحت رواية فلسطين وقضيتها محورية في الحوار العالمي حول الحقوق والحرية والكرامة الإنسانية. وهذا مهم جدًا.


الآن، يتم فضح إسرائيل وتسميتها بما هي؛ احتلال أصبح دائمًا. احتلال وحشي وغير قانوني. مشروع استعماري استيطاني. نظام فصل عنصري، والأسوأ من ذلك أنها تقوم بتنفيذ نموذج تهجير/ استبدال. دولة مارقة تقوم على قومية عرقية طائفية، وتعمل كنظام إقصائي حصري يحاول محو شعب بأكمله وتاريخه وثقافته.


كل هذا يرجع في المقام الأول إلى شبكة عالمية من التضامن والتعاطف والتماهي، التي كسرت حواجز القذف والترهيب والتهديدات وحملات التشهير، وبطبيعة الحال -كما هو مؤكد- إنسانيتنا المشتركة والحق والعدالة.

أعلم أن هذا ما يزال مؤلمًا. ما يزال هناك ثمن يترتبُ عليكَ دفعه إذا خرجت وتحدثت دفاعاً عن الفلسطينيين.

ولكن، هناك الكثير من الأشخاص الشجعان الذين يقفون، الذين يتحدثون وينتقدون، والذين يتحدون جميع محاولات إسكاتهم ووصمهم. ‏


وهناك، بطبيعة الحال، إزاحة للقبضة الخانقة لوسائل الإعلام السائدة واليمينية التي هيمنت على الفضاء اللفظي وسيطرت عليه. كانت وسائل التواصل الاجتماعي مفيدة للغاية. بطبيعة الحال، أصبح الوصول إلى المعلومات موجوداً.

وأدت العلاقة بين المعرفة والمسؤولية إلى نشاط هائل بين الأقليات والمضطهدين والمستبعدين والمعنفين، وبالطبع بين أصحاب الضمائر الحية، بمن في ذلك الأكاديميين والمنظمات اليهودية التقدمية والكنائس وأعضاء الكونغرس الذين يجرؤون على التحدي. الآن يتم كسر المحرمات كل يوم.

هناك جيل شاب، وليس في فلسطين فحسب -يمكننا التحدث عن هذا- ولكن في الولايات المتحدة، الذي يرفض أن يسكت، ويريد أن يعرف الحقيقة، ويرفض أن يخضع للترهيب. هؤلاء هم حلفاؤنا وشركاؤنا الطبيعيون.‏


صمود الشعب الفلسطيني في وجه العنف والظلم الإسرائيليين المروعين، لا أريد أن أخوض في كل ذلك. أنتم تعرفونه. أنتم تعرفون ما يحدث. ما حدث في غزة.

أنتم تعرفون الشيخ جراح. تعرفون سلوان. تعرفون البلدة القديمة، والأقصى، والعيسوية‏‏،‏‏ وجبل المكبر. في كل مكان، أنتم تعرفون ما يحدث.

وجه إجرام المستوطنين والعنف في سبسطية، في بُرقة، في جميع أنحاء نابلس وجنين، كما تعرفون. والخليل. كل مكان حول الخليل. في الخليل يعيث المستوطنون فسادًا.


كل هذه الأشياء تحدث، ومع ذلك قاوم الشعب الفلسطيني. نهض وانتفض. وقد دفعنا ثمنًا باهظًا، وخاصة الشباب. كما تعرفون، يومياً تسمعون عن الشباب الذين يُقتلون.

لكن كل هذه الأشياء أصبحت مرئية في الوقت الفعلي. إنها تفضح الأكاذيب والتشويه الإسرائيلي. إنكم ترون الشباب وهم يتحدّون ويجرؤون.

وبطبيعة الحال، الصورة الأكثر دلالة، كما تعلمون، هي صورة عهد التميمي وهي تتحدى جنديًا إسرائيليًا، التي جرى توزيعها على أنها امرأة أوكرانية شقراء شابة تتحدى جنديًا روسيًا. أصبح انتشار الفيديو فيروسيًا. ثم اكتشف الناس: لا، لا، لا، هذه فتاة فلسطينية شابة تتحدى جنديًا من جنود الاحتلال الإسرائيلي.


نعم، (هناك الآن) صعود لجيل شاب من الناشطين في فلسطين، الذين يتواصلون في الفضاء الإلكتروني، ويحشدون جهودهم مع الشركاء والنظراء بلغة مشتركة من الإنسانية والتحدي. التعاطف والتضامن، التضامن النشط، هذه هي القيم الذاتية الأصيلة. ليس التقليد اليهودي المسيحي، هذا في الحقيقة بناء مصنّع، وإنما القيم الذاتية التقدمية الإنسانية الأصيلة التي تتحدى المحو والتفتيت، وكما قلت، محاولات التخويف لإسكات أي نقد.


والأمر المهم أيضا هو وحدة الشعب. وهذا مصدر أمل حقيقي في فلسطين. لأننا رأينا في أيار (مايو) 2021، كما تعلمون، خلال ذلك الهجوم على القدس وغزة، أن الفلسطينيين موجودون في كل مكان. في الضفة الغربية، بما فيها القدس. في غزة وفلسطين 48. بين اللاجئين وفي مخيمات اللاجئين. بين المنفيين في كل مكان في العالم.

بين المغتربين. هناك لغة مشتركة، وقضية مشتركة، وهوية مشتركة. وقفوا جنبًا إلى جنب مع حلفائهم وشركائهم. تحدوا واحتجوا.

دافعوا عن القضية الفلسطينية وقاموا مرة أخرى بإضفاء الشرعية -ليس لأننا في حاجة إلى إضفاء الشرعية، ولكن بمعنى إعلانها- على القضية الفلسطينية والهوية الفلسطينية والمنطوق الفلسطيني.


كان هذا مهمًا جدًا؛ أنه على الرغم من كل التشرذم، وعلى الرغم من كل الفصائلية، وعلى الرغم من كل الانقسامات الجغرافية والتصدعات والتشتت، حافظ الفلسطينيون على التزامهم وإحساسهم بالهوية، ولديهم تركيز واضح جدًا على حقوقهم. ولذلك، اكتسبوا احترام ودعم العديد من الناس ذوي التفكير المماثل.

وهذه دينامية جديدة. ربما لا تتحرك بسرعة كافية، لكنها تتحرك. ربما الحكومات تفشل، لكن الشعب بدأ ينتفض.


هذه الدينامية واضحة داخليًا وعالميًا على حد سواء. هناك إعادة تشكيل لخريطة القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية في العالم. وبالطبع علينا الآن أن نرى تداعيات ما يحدث في أوروبا. وأنا على يقين من أنه سيكون له تأثير متضاعف في جميع أنحاء العالم. لذلك، ثمة سبب للثقة.

ثمة سبب لمعرفة أن الفلسطينيين لن يذهبوا إلى أي مكان، أنهم لا ينتحرون، ولا يرتكبون فقدان الذاكرة، ولا يقبلون أي نوع من الرقابة أو القمع. سوف نكون، جنبًا إلى جنب مع حلفائنا وأصدقائنا، جزءا من تشكيل المستقبل. شكرًا لكم. ‏


‏ديليندا هانلي: ‏‏شكرًا جزيلًا. شكراً لكِ على تحديثكِ المغضب، وإنما المتفائل، من فلسطين. ‏


أسئلة وأجوبة‏

‏لقد نفدنا من الوقت، ولكن هل نستطيع الجمع بين العديد من الأسئلة معًا في سؤال واحد سريع؟ ماذا يمكننا أن نفعل هنا في الولايات المتحدة؟ هل يجب أن نحاول الإصرار على أن تعيد إدارة بايدن فتح القنصلية في القدس؟ هل يجب أن نصر على إعادة فتح مكتب (البعثة الفلسطينية) هنا، حتى يتمكن السفراء الفلسطينيون من التحدث في جميع أنحاء البلاد كما اعتادوا أن يفعلوا من قبل؟ ما الذي يترتب علينا فعله هنا؟


حنان عشراوي:‏‏ حسنًا، بالطبع، كانت مسألة إعادة فتح القنصلية في القدس موضوعاً لوعدٍ واضح. قال بايدن إنه سيعيد فتحها، لكنه لا يفعل لأن الإسرائيليين يمارسون ضغوطًا: إنكَ إذا قمت بذلك، فهو يعني أن الفلسطينيين يريدون أن تكون عاصمتهم في القدس. وإذا لم تقم بإعادة فتحها، فهذا يعني أن القدس كلها إسرائيلية. لذلك هي مهمة بهذا المعنى. مهمة من الناحية السياسية.
‏كثير من الناس يقولون، حسنًا، لن يُحدث هذا أي فرق. لكنه يُحدث فرقًا بالنسبة لنا، لأنه يعني أن سياسات ترامب السامة التي تقول إن القدس موحدة وأنها العاصمة الأبدية لإسرائيل خاطئة.

القدس مدينة محتلة، بالمناسبة. كانت القدس كلها ذات يوم فلسطينية. كما تعلمون، حتى القدس الغربية كانت جزءا من ‏‏النظام القائم بذاته.‏‏ ولكن مع ذلك، احتُلت القدس الشرقية في العام 1967.

لذلك، يتعين على الولايات المتحدة أن تحرر نفسها من الخضوع المستمر لضغوط إسرائيل ومن العمل نيابة عن إسرائيل وتبني أجندة إسرائيل. هذا مهم جدًا. ‏


ستكون إعادة فتح المكتب التمثيلي الفلسطيني في واشنطن العاصمة صعبة بسبب التقليد القديم الذي بموجبه يتعين علينا أن نثبت أننا فتيان وفتيات جيدون وأننا حسنو السلوك وما إلى ذلك.

إنه يتطلب خطوات معينة. ولكن إضافة إلى ذلك، أقر الكونغرس العديد من مشاريع القوانين واعتمد مجموعة من القوانين التي تجعل من المستحيل تقريبا إعادة فتح مكتب بعثة فلسطين في واشنطن، بسبب أشياء مثل “قانون تايلور فورس” و”قانون مكافحة الإرهاب المعدل”. ‏


‏يعرِّض قانون مكافحة الإرهاب المعدل أي مسؤول فلسطيني في الولايات المتحدة لتدابير قانونية من جهة ضحايا “الإرهاب” الفلسطيني. كما تعلمون، بسبب ما يسمى الإرهاب، كانت هناك العديد من الدعاوى القضائية.

وهذا وضع معقد للغاية، وضع متشابك. تجعل مشاريع القوانين التي تم تبنيها بموجب قرارات الكونغرس الأمر صعبًا للغاية، لكن هذا لا يعني أنه لا ينبغي لنا أن نضغط من أجله.


يجب أن نوقف هذا التوجه برمته؛ هذه السياسة برمتها المتمثلة في معاملة الفلسطينيين كنوع دون البشر بلا أي حقوق، وقبول الشروط الإسرائيلية ووضع الكثير من المسائل التي تضر بالحقوق الفلسطينية والعلاقات الفلسطينية الأميركية داخل العديد من مشاريع القوانين والتشريعات. حسنًا؟ ينبغي القيام بهذا.‏


‏ديليندا هانلي:‏‏ شكرًا جزيلًا لكِ على التحدث إلينا. في المرة المقبلة التي تأتين فيها إلى هنا -عادة ما نقول، المرة المقبلة في القدس، ولكن المرة المقبلة في واشنطن. أشكركِ جزيل الشكر.


حنان عشراوي: ‏‏نعم. نعم، سوف آتي. أعدكم بذلك. حسنًا، شكرًا جزيلًا لكم.‏

* *

*كانت الدكتورة حنان عشراوي أول امرأة تنتخب عضوًا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في العام 2009. وفي العام 1996، انتُخبت عشراوي، ثم أعيد انتخابها مرات عدة، لعضوية المجلس التشريعي الفلسطيني.

وفي العام 1996 قبلت أيضًا منصب وزير التعليم العالي والبحث العلمي في السلطة الفلسطينية. وفي العام 1998، أسست الدكتورة عشراوي، وما تزال تعمل في “المبادرة الفلسطينية لتعزيز الحوار العالمي والديمقراطية”.

وفي كانون الأول (ديسمبر) 2020، استقالت من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ودعت إلى إشراك المزيد من الشباب والنساء وغيرهم من المهنيين المؤهلين في النظام السياسي الفلسطيني.


*نشرت هذه المحاضرة تحت عنوان: Keynote Dr. Hanan Ashrawi: What, If Any, Policies Have Changed Since the Trump Administration, and New Hope for Palestine’s Future

اقرأ المزيد من ترجمات

حنان عشراوي: بين إرث ترامب ونهج بايدن.. ما الذي تغير؟ (1 – 3)

حنان عشراوي: بين إرث ترامب ونهج بايدن.. ما الذي تغير؟ (2 – 3)

حنان عشراوي: بين إرث ترامب ونهج بايدن.. ما الذي تغير؟ (3-3)

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock