حوار مع القاص محمد ابو خليل

حوار مع القاص محمد ابو خليل
حوار مع القاص محمد ابو خليل

قاص يرى أنه ابن كل الأجيال


 خليل: اكتب القصة القصيرة فقط واتعامل معها على سبيل الهواية لا الاحتراف

اضافة اعلان

 

حاورته: عزيزة علي

   حمل جيل الثمانينيات من الكتاب والمثقفين العرب والأردنيين الهم القومي والوطني في ثنايا كتاباتهم. فهم يعتبرون ان الكاتب مطالب بان يحمل بندقيته متمثلة في الكلمة. هذا رأي القاص محمد خليل الذي ينتمي إلى هذا الجيل، والذي أصدر مجموعته القصصية الأولى في العام 1986 بعنوان "ذات مساء في المدينة" وكانت مثقلة بذلك الهم. اما الآن فيقول خليل إنه ربما تكون وسيلة التعبير اختلفت، حيث بدأ تلمس وجع الوطن من الداخل بعيدا عن المباشرة. "الغد" التقت القاص خليل، وكان لنا معه هذا الحوار:

*أين محمد خليل أنت الآن؟

-ببساطة شديدة اعتقد انني هنا. امارس حياتي كأي كائن اجتماعي، يسعى من اجل المساهمة في ايجاد توازن ما بين الحياة والدولاب، لا أعتقد انني تلاشيت او ابتعدت كثيرا، فانا اتابع معظم ما يجري على الساحة المحلية والعربية واكتب باستمرار، وان كنت لا اشارك في النشاطات الثقافية المحلية، او النشر في الملاحق الثقافية الاسبوعية سواء المحلية او العربية، فانا اعتقد أنني لست الوحيد، فكثير من الاسماء التي تكتب السرد على وجه الخصوص قد اختفت، او بكلام اكثر دقة، ابتعدت.

انا لم اكتب سوى القصة القصيرة واتعامل مع هذا اللون من الادب فقط واتعامل معه على سبيل الهواية لا الاحتراف، والحقيقة انني لم احاول الكتابة في اي نوع ادبي آخر، الأمر الذي أدى بالضرورة الى عدم تواجدي على صفحات الصحف بين الفترة والاخرى، هذا الى جانب عوامل اخرى كثيرة من اهمها كما ذكرت آنفا الموازنة بين الحياة والدولاب والركض وراء لقمة العيش، والخراب الثقافي.. الخ.

     

*أول مجموعة لك كانت في 1986 منذ ذلك التاريخ لم تصدر شيئا، لماذا؟

-الحقيقة أنني منذ أصدرت مجموعتي الأولى في العام 1986 وانا افكر في اصدار مجموعتي الثانية، لكنني اعتقد ان ما يغفر في المجموعة الاولى لا يغفر في الثانية، فاذا لم استطع ان اقدم شيئا جديدا، فالافضل ان ابقى في موقعي الأول، لدي الآن، ومنذ زمن، مجموعة قصصية، كلما امتلكت الجرأة على نشرها كلما تراجعت تحت ضغط محاولة تجاوز ما نشر او ما ينشر الان. لا اريد ان اكون كالآخرين، أريد ان تكون لي قصتي الخاصة بي، تعرف من سيماتها انها قصة محمد خليل، الكتابة السهلة موجودة باستمرار ولا تحتاج الى جهد. الشوارع حبلى بالحكايات. الحياة تزخر بالمواقف التي يمكن التعبير عنها قصصيا، واعتقد ان طالبا موهوبا في المرحلة الاعدادية يستطيع ان يكتب. هناك كثير من الصاغة الذين يتعاملون مع الذهب، لكن القلة منهم يستطيعون انطاق الذهب ومحاكاته. انا ببساطة شديدة اريد ان تكون لي قصتي الخاصة بي، واعتقد ان ما لدي الان من قصص (وبالمناسبة كلها نشرت في الصحف والمجلات المحلية والعربية) تكرس ما ذهبت اليه آنفا. اعتقد انني سأمتلك الجرأة على نشرها في اقرب وقت ممكن .

 

*مجموعتك الأولى يغلب عليها الطابع الوطني، كيف ترى هذا النوع من الكتابة الآن، وهل أنت مع المطالبين بتغييره؟

-الوطن في اعتقادي ليس بندقية فقط، وليس جغرافيا فقط، وليس هواء نقيا وفتاة جميلة وعبق تاريخ. الوطن مجموعة ازهار منسقة بشكل جميل. ربما في فترة من الفترات كان الكاتب مطالبا بان يحمل بندقيته المتمثلة في الكلمة. كان ثمة نضال تواكبه الكلمات، وكان ثمة عمالقة ومرحلة لا يمكن إغفالها، وقد كنا نتاجا لهذا كله، وما زلنا. الوطن حنين الى الجذور، حنين إلى صدر الأم الذي حرمونا منه. الوطن لا يمكن الا ان يكون وجدان الكاتب، الآن وأمام ما يجري نحمل الوطن ونحميه بمآقي العيون ونكتب عنه، نكتبه ويكتبنا. ربما تكون الوسيلة قد تغيرت، ربما بدأنا نتجاوز الصراخ في التعامل مع الوطن، لكننا ما زلنا نهجس به، ما زال يسكننا بالرغم من محاولة طمسه.

انا اعتقد ان الكتابة ايا كانت هذه الكتابة فانها تتعامل مع وطن، مع مكان أليف، قد تكون وسيلة التعبير اختلفت بمعنى اننا بدأنا نتلمس وجع الوطن من الداخل بعيدا عن المباشرة. صرنا نكتب بصوت هادئ مبتعدين عن الضجيج الذي لا يخلف الا ضجيجا، انا مع الصوت الهادئ في التعامل مع مسألة الحس الوطني.

 

*منجزك الذي سوف يصدر، هل هو بعيد عن اجواء المجموعة الاولى؟

-من الصعب ان نقول انه قريب اوبعيد، لكنني اعتقد ان هذا المنجز مختلف نوعا ما. ذلك انني لا استطيع ان اغفل ما وصل اليه الفن القصصي من تطور في ادواته ومضامينه ولا استطيع ان لا اتعامل معه، القص فن ولا يعقل ان يقف هذا الفن عند نقطة محددة، هناك اساليب، هناك مدارس ادبية جديدة، هناك رؤى جديدة، وجهات نظر، تجريب، لا بد من التعامل معها والا سنكون اولاد غير شرعيين لهذا الفن.

حاولت ان يكون منجزي القادم افضل من منجزي السابق ذلك انني اؤمن ان الحياة متجددة باستمرار، حاولت استخدام اساليب مختلفة، مواضيع مختلفة، رؤيا مختلفة، وجهة نظر مختلفة، استطيع ان اقول ان مجموعتي القادمة مختلفة عن المجموعة السابقة على الرغم من اهمية مجموعتي الاولى من وجهة نظري على الأقل.

 

*ابتعادك عن الساحة الثقافية بماذا تبرره او تقول عنه؟

-اعتقد ان ابتعادي ان جاز لي ان اقول ذلك عن الساحة الثقافية هو ابتعاد مادي، لكن الروح تحوم دائما حول اية فعالية ثقافية، ثقل المسؤولية، الوظيفة، العلاقات الاجتماعية، ممارسة الفعل اليومي في القراءة. باختصار اليوم الواحد لا يكفي لانجاز ما هو مطلوب مني ومن غيري على ما أظن. علي ان أتمسك في الوظيفة لانجاز المهام الحياتية، ذلك ان الادب وكما تعلمين لا يطعم خبزا، وثمة افواه بحاجة ماسة الى الخبز. ثمة اجساد عليلة بحاجة ماسة الى العلاج. ثمة رابطة او نقابة بحاجة الى حماية الكاتب من جور الزمان. ماذا تتوقعين من كاتب، ولو كان ماركيز، ان يفعل حيال صياح طفله الجائع او المريض. الحياة جميلة يا صاحبي كما يقول ناظم حكمت ولكن من يحمي لي منجزي الأدبي؟

هذا إلى جانب الخراب الثقافي الذي تعاني منه الحياة الثقافية في الاردن وعلى وجه الخصوص الخراب الذي تعاني منه رابطة الكتاب الاردنيين، ثمة كتاب لا يشق لهم غبار، وثمة كتاب يساهمون في الخراب، سأضرب لك مثلا بسيطا على الخراب الذي اتحدث عنه.

في انتخابات رابطة الكتاب الأخيرة ترشح اكثر من 33 كاتبا من اجل الفوز بـ 11 مقعدا. الفوز بمعناه المادي وليس المعنوي، المفاجأة ان شاعرا مثقفا كزهير ابو شايب الذي اذا ذكر 10 شعراء في الوطن العربي يكون واحدا منهم، "يرسب" في هذه الانتخابات. أليس هذا خرابا؟

ثم ينجح الشاعر يوسف عبد العزيز بشق الانفس وليكون في ذيل قائمة الناجحين. أليس هذا خرابا؟ ربما تقولين انها الديمقراطية. نعم لنصفق للديمقراطية، لكن اليس حريا بالكتّاب ان يفرزوا الغث من السمين، مع احترامي لكل اعضاء الرابطة الذين مارسوا حقهم الانتخابي؟ انا لا اغفل الجانب النقابي في المسألة، كما لا اغفل الجانب السياسي أو الاجتماعي، لكننا كتّاب ويجب ان ندفع بالكاتب الذي يمثل الرابطة خير تمثيل في المحافل الثقافية والادبية العربية والعالمية. ثمة خراب لا يجب السكوت عليه. في مثل هذه الاجواء افضل ان ابتعد كي لا اساهم في هذا الخراب لكي انجز ما هو مطلوب مني.

 

*انت من جيل الثمانينيات كيف ترى تلك التجربة الان؟

-بداية انا اتحفظ على مسألة الاجيال، انا افهم ان الاجيال الادبية مندغمة مع بعضها البعض بمعنى ان اكون من جيل الثمانينيات واتابع واقرأ واطور نفسي باستمرار فأنا ضمن هذا المفهوم ابن كل الاجيال التي تأتي بعدي. هل يعقل ان نقول ان الكاتب الفلاني هو من جيل الستينيات، ثم يأتي بعده الكاتب العلاني ليعلن موت جيل الكاتب الفلاني ابن الستينيات، اذا كانت الاجيال بهذا المفهوم فانا لست معه.

الكاتب الحقيقي هو من وجهة نظري ابن كل الاجيال، لان الكاتب الحقيقي هو الكاتب المتابع، المبادر، المبدع، الملتصق بقضايا الانسان، الذي يطور ادواته باستمرار.

جيل الثمانينيات كما يسمى استفاد كثيرا ممن سبقه من الكتاب الذين استفادوا ممن سبقهم، واستطاع هذا الجيل ان يثبت اقدامه في الساحة المحلية، هذه التجربة كانت مسكونة بالهم الوطني، وتطرح كثيرا من القضايا بجرأة اكبر، واستفادت القصة في الثمانينيات من تنوع المدارس الادبية، وبرزت اسماء من هذا الجيل لا يمكن القفز عنها او تجاوزها.

 (تصوير: أليسون مونرو)