حول إعادة فتح معبر رفح

لا يوجد حل لمعبر رفح في ظل الظروف القائمة..ولم يكن من السهل قبول مضمون التصريحات التي صدرت عن قادة من حماس بأن الحدود ستغلق اولاً حتى يصار فيما بعد لتنظيمها واعادة فتحها. صحيح ان ذلك هو الوضع المثالي لحدود عربية، بين أكبر وأهم دولة عربية، من جهة، وبين أرض فلسطينية من المفروض ان الاحتلال تراجع عنها من جهة ثانية..ولكن المسافة بين المثالي والمطبق هي مسافة شاسعة واسعة ولن يكون من السهل تضييقها في المدى المنظور.

اضافة اعلان

فقد سبق وان اغلقت مصر معبر رفح بعد استيلاء حماس على السلطة في قطاع غزة صيف العام الماضي، وبعد ان أدينت حماس وتحول كل الدعم الدولي والعربي باتجاه الرئاسة، وحكومة الطوارئ تلك هي الشرعية بينما "الانقلابيون" في غزة هم الذين خرجوا على الشرعية. ترتب على ذلك تشديد الحصار على غزة. وكانت حجة مصر في اغلاق معبر رفح ان انسحاب المراقبين الاوروبيين حال دون استمرار العمل "باتفاق دولي" يشرف على عمل المعبر..

في الحقيقة"الاتفاق الدولي"، الذي فرضته اعتبارات الحصار، تم ترتيبه ارضاءً للإصرار الاسرائيلي على عدم ترك ذلك المعبر بعيداً عن سيطرة اسرائيل ومراقبتها المباشرة، حتى تتأكد من كل ما يدخل وكل من يدخل او يخرج من ذلك المعبر، بتركيب كاميرات وبوضع مراقبين اوروبيين أنيطت بهم مهمة الرقابة بالنيابة عن الاسرائيليين. فهذه الترتيبات الغريبة لا تلزم دولة ذات سيادة مثل مصر، حتى لو ارغم الجانب الفلسطيني على القبول بذلك. لذلك فمن الطبيعي ان القبول بوضع شاذ من شأنه ان يكون البداية السلسلة من المضاعفات المعقدة لاحقاً.

بالرغم من كل المبررات ظل اغلاق معبر رفح، والذي كان يجب ان يكون المتنفس الوحيد لأهل غزة في سجنهم الكبير، السجن المفروض ظلماً وعسفاً واستهتاراً بكل القوانين والمواثيق والقيم، ظل اغلاق معبر رفح رمز المشاركة العربية في احكام الحصار، بسبب ضغوط دولية معروفة. لم يتمكن اي شعور انساني عربي او اي حس بالعدالة لرفض هذه الضغوط وفتح المعبر، فاستمر الحصار حتى علق حجاج بيت الله الحرام في مياه البحر، وحظرت عليهم العودة..الا من معبر خاضع تماماً لسيطرة اسرائيل عند كرم سالم. لكن وفاة بعضهم، وتفاقم مأساتهم، وافتضاح أمر المبررات التي حالت دون عودتهم عبر معبر رفح، والحرج الذي لحق بالسلطات المصرية جراء ذلك اجبرها بالنتيجة على وضع حد للمحنة، وفتح المعبر فقط لعودتهم، ومن ثم تم اغلاقه من جديد استناداً لنفس الاسباب..غياب المراقبين الاوروبيين.

بعد ان صعدت سلطة الاحتلال اجراءاتها لتشديد العقاب الجماعي ضد غزة وأهلها، بقصد اهلاكهم وقطعت عنهم كل ما كان تبقى من اجل ما يحول دون الفناء، هاجم الجياع الحدود وحطموها في اكثر من موقع ودخلوا الى مصر بمئات الآلاف ليتزودوا بما يمنع المجاعة وليتنفسوا هواء الحرية لأول مرة منذ عقود.

من الناحية القانونية كان يمكن اعتبار ذلك تعدياً على حركة الارض والسيادة.ولكن مشاعر نصرة المظلوم الثائر على الظلم تغلبت على الاعتبارات الشكلية وحظي أهل غزة بالاحترام والتقدير والدعم لكسر قيود الحصار والتحدي،ارادة السجن والسجان،اياً كان.

من الطبيعي ان حالة الفوضى، التي سادت الحدود المصرية الفلسطينية لأكثر من اسبوع، ما كان لها ان تستمر.ولم يكن من المعقول ان تشرع ابواب الحدود والثغرات الاخرى على مصارعها بلا رقابة ولا سيطرة، بالرغم من التعاطف المصري، وتصريحات رئيس الجمهورية بالذات، بعدم السماح بتجويع اهل غزة والسماح لهم باستمرار التزود بكل ما يحتاجون..من الطبيعي ان تتضافر جهود الجميع من اجل انهاء حالة الفوضى واحلال ترتيبات صحيحة مكانها تسمح بالعبور المنظم شأن أية حدود طبيعية أخرى.

من المستبعد ان يتحقق ذلك.الرئيس المصري وجه الدعوة للفصيلين الفلسطيني المتخاصمين للحوار في القاهرة من اجل الاتفاق على ترتيبات جديدة للحدود وغيرها.وتلك كانت الوسيلة الوحيدة..لكن الرئيس عباس كرر شروطاً قديمة للحوار، دون ان يفسح المجال للحوار لحل كل المشاكل العالقة بما في ذلك ما نجم عن"انقلاب حماس على الشرعية". واذا صح ما تناقلته الانباء في حينه فقد رفض اي مشاركة من قبل حماس في اي ترتيبات تتعلق بفتح معبر رفح، معبراً على استمرار واستئناف الاتفاق السابق والذي يضع المعبر تحت رقابة مصرية فلسطينية اوروبية والفلسطينية(السلطة الفلسطينية فقط).

ولأن الحوار فشل، في الحقيقة لأن اي حوار لم يحدث، فلم يكن بالمستطاع احلال قوات فلسطينية تابعة للسلطة على حدود رفح بلا تفاهم مع "الحكومة المقالة" التي تسيطر فعلياً على الارض. ولهذا صرح احد مستشاري الرئيس عباس بأن اصرار حماس على المشاركة في الاشراف على الحدود يعني بقاء الحدود مغلقة بصورة نهائية..ولهذا، وكما نقلت الصحف الاسرائيلية عن اللقاء الاخير بين عباس واولمرت، رد الاخير على طلب عباس بالاشراف على معبر رفح بالقول "بأن لا سيطرة لعباس على جندي واحد في تلك المنطقة".

ومن المستبعد جداً ان تقبل مصر بإعادة فتح الحدود عبر معبر رفح بأي ترتيب مع حماس لأن ذلك سيكون ضربة قاسية للسلطة الفلسطينية والرئيس عباس، والتي تلتزم مصر بدعمها على اساس انها الشرعية، عدا عن ان ذلك سيعتبر فكاً لحصارٍ ما تزال واشنطن واسرائيل "والمجتمع الدولي" من ورائهما يصرون على ضرورة استمراره حتى يطيح بحماس.

ومن المستبعد ان يجري اي حوارٍ بين الرئيس محمود عباس والسلطة الفلسطينية مع حماس، مهما لبت حماس من الشروط المطلوبة لأنّ فكرة المصالحة مرفوضة اسرائيلياً، كما رفضت من قبل مصالحة مكة وحوصرت حكومة الوحدة الوطنية التي تمخضت عنها..فمن السذاجة ان نعتقد ان العقبة في طريق المصالحة هي رفض حماس التراجع عن انقلاب لم يحدث، لأنّ حكومة الوحدة الوطنية هي التي تمثل الشرعية المنتخبة بالطريقة الأصولية ايضاً.

اذن الامور تمضي من جديد في طريق التأزم..وقد توفر الاحداث المؤسفة التي وقعت على الحدود يوم الاثنين الفائت، وأوقعت اصابات في صفوف الجانبين، المبرر للغضب والتصلب وإبقاء الحدود مغلقة واستمرار الخنق والحصار الى ان يتجمع ذلك المقدار الكافي من الضغط لإحداث انفجار آخر.

في غياب الارادة السياسية، وفي غياب اية استراتيجية كفيلة باستباق الازمات والانفجارات من اجل انفراج حقيقي في المنطقة، ستظل مصائر الشعوب رهن الاحداث المفروضة والصدف ورد الفعل الانفعالي عند حدوث الفعل.

مندوب الأردن السابق في الأمم المتحدة