حول "بند ما يستجد من أعمال"

درجت العادة أن يوضع بند "ما يستجد من أعمال" على جدول أعمال جلسات مجلس النواب. يتاح خلالها لعشرة من النواب أن يتحدثوا تحت هذا البند، بما يحلو لهم لمدة ثلاث دقائق، من دون الأخذ بنظر الاعتبار أن ما يتحدث به السادة النواب أمر طارئ مستجد يستوجب البحث، وليس هناك ما يلزم الحكومة بالرد أو التعليق على ما يثار من قضايا ومواضيع، الا من الناحية الأدبية. وكثير ما كانت الحكومة تلتزم الصمت وتتجنب التعليق. وكثير ايضاً ما كان يستغل هذا "الحق" في الكلام, لتصفية حسابات "خاصة" مع بعض الوزراء او الحكومة او كيل المديح لأحد الوزراء او للحكومة لأسباب خاصة ايضاً.

هذا "الحق" للنائب بالحديث عما يحلو له و"الحق" للحكومة بعدم الرد هو تقليد برلماني اردني بامتياز لا وجود له في برلمانات الدنيا.

لست مع تقييد حرية النائب في الحديث عما يشاء وعرض ما يعتقد انه مهم ومفيد. لكنني مع تنظيم هذا الحق، وجعله مفيداً ومنتجاً. حتى لا يغدو كلام النائب صرخة في واد او استعراضاً إعلامياً وكفى. وهذا ما يستوجب الالتفات له حين النظر في التعديلات المنتظرة على النظام الداخلي للمجلس.

في البرلمانات الديمقراطية الفاعلة والمنتجة هناك بند يوضع على جدول أعمال كل جلسات البرلمان، باستثناءات محددة اسمه: الاسئلة الشفاهية. وهو بند رقابي، يعطي النائب الحق في الاستفسار عن امر ما او واقعة بعينها. ويتلقى جواباً حكومياً مباشراً عن السؤال. وهذا النوع من الاسئلة يختلف عن الاسئلة التي تحتاج الاجابة عنها وقتا وتحضيرا. السؤال هنا يكون محدداً ومقتضباً والجواب كذلك.

في البرلمان الكندي مثلاً، يعطى النائب مدة (15) ثانية للسؤال ومثلها للحكومة للرد من دون زيادة او نقصان.

فالكلام امام البرلمان محسوب بالثانية ولا ضرورة للمقدمات والهذر واللغو، ناهيك عن البسملة والمقدمات الدينية. فيكون السؤال مثلاً: هل تنوي الحكومة, رفع الدعم عن اسطوانة الغاز؟ ويأتي الجواب مثلاً: كلا ليس لدى الحكومة نية لرفع الدعم عن اسطوانة الغاز هذا العام. ويغلق الموضوع.

اما اذا كان هناك امر ما يستوجب لفت نظر الحكومة او مجلس النواب، على اعتبار ان الامر يستوجب التدخل السريع وأخذ اجراءات عاجلة. فهناك حق تعطيه بعض الانظمة الداخلية للنائب يسمى "طلب الاحاطة"، يستطيع النائب من خلاله ان يوجه انظار الحكومة الى امر ما، ويحيطها علماً بالتفاصيل ويطلب منها التدخل الفوري لمعالجة الامر.

بهذه الادوات البرلمانية المقترحة، يمكن تنظيم حقوق النائب، طبعاً بالاضافة للحقوق الاخرى كالسؤال والاستجواب وحجب الثقة.. الخ.

نحتاج الى عمل كبير، لتنظيم عملنا النيابي، كي يغدو اكثر انتاجية واقل هدراً للوقت.

وما دمنا في مجال الحديث عن تنظيم الحقوق النيابية والحفاظ على الوقت وحسن ادارته، تجدر الاشارة السريعة ايضاً الى آلية مناقشة القوانين. وهي آلية ينفرد بها البرلمان الاردني. حيث يقفز النقاش عن كل الجهود التي تبذل في اجتماعات اللجان, ويفتح النقاش على مصراعيه تحت القبة وكأن شيئاً لم يناقش في اللجان. وتتم مناقشات ارتجالية تنقصها الدراية والمعرفة، وتقدم اقتراحات غير مدروسة تشعل مناقشات عقيمة لساعات. ما يجري في البرلمانات الفاعلة، ان يفتح النقاش في الجلسة العامة (تحت القبة) حول الاقتراحات التي درست من قبل اللجنة المختصة فقط وليس كل ما هب ودب. وحضور اجتماعات اللجان او تقديم اقتراحات مكتوبة، حق مكفول لجميع اعضاء مجلس النواب. الطريقة المعمول بها لدينا، تكرس الدور الفردي للنائب بديلاً من العمل الجماعي المنظم الذي يتطلب وجود النائب في اطار نيابي (كتلة او حزب) يحمل ممثلوه في اللجان موقف الاطار واقتراحاته التعديلية ان وجدت، فتتم دراسة كل الافكار والاقتراحات بتعمق في اللجنة المختصة ويبقى حق المجلس (الهيئة العامة) محفوظاً برد او قبول المقترحات على اختلافها.

اضافة اعلان

عمل كبير يتوجب على مجلس النواب القيام به لإصلاح نظامه الداخلي ليطال كل أسس وقواعد بناء هيئاته ولجانه المختصة وطريقة تنظيم أعماله ليكون فاعلاً وديمقراطياً وشفافاً.

[email protected]