حيدر العبادي.. تفاؤل أم تشاؤم؟

سيبقى الدعمان الإقليمي والدولي اللذان حاز عليهما رئيس الوزراء العراقي المكلف حيدر العبادي، غير كافييْن، ربما، لتحقيق مصالحة وطنية عراقية، ما دام رئيس الوزراء المنتهية ولايته، نوري المالكي يضع العصيّ في دولاب العملية السياسية الجديدة، التي من المفترض أن يدشنها اختيار العبادي. ومن هنا، فإن عملية عزل وتحييد النفوذ السياسي الكبير الذي يتوافر عليه المالكي في كثير من مؤسسات الدولة السيادية، وخاصة الجيش والأجهزة الأمنية والقضاء، هي الخطوات الأولى لاكتساب العبادي صلاحياته كاملة، وتمتع حكومته بالولاية العامة كاملة غير منقوصة.اضافة اعلان
أكثر القوى الإقليمية والدولية، أيدت العبادي برغم أنه من حزب المالكي وائتلافه والناطق باسم كتلته، وذلك في تأكيد منها أن المالكي بشخصه أصبح عائقا أساسيا أمام أي احتمالات للتوافق السياسي في العراق، أو لإصلاح علاقات العراق مع جيرانه.
الخشية من أن تتزايد العراقيل الداخلية أمام العبادي بسبب ما يُقال عن هشاشة الدعم الذي يحظى به من قبل "حزب الدعوة"، وفي حال إصرار المالكي على مواقفه من أن ما جرى مخالفة دستورية ومؤامرة داخلية وخارجية. والكثيرون يلمحون إلى افتقار العبادي لـ"مخالب سياسية"، إذا جاز التعبير، تؤهله لممارسة صلاحياته كافة. وإذا صحت هذه الهواجس والاحتمالات، فهذا يعني أننا سندخل خلال الأشهر المقبلة في أزمة سياسية مطوّلة من الخلافات والسجالين السياسي والدستوري اللذين سيبددان حالة التفاؤل التي ولّدها اختيار العبادي خلفاً للمالكي.
وكلما اختزل العبادي الوقت في تشكيل حكومة شراكة أو توافق وطني لا تستثني أحداً، وتُمثّل جميع العراقيين، وتعطي الانطباع منذ اللحظة الأولى بأنها حكومة إنقاذ وطني تتعاطى مع العراقيين كلهم كمواطنين متساوين في المواطنة والشراكة الكاملة في صناعة القرار والثروة الوطنية... اقترب أكثر فأكثر من معانقة حالة التفاؤل باختياره الذي جاء بأولويات ثلاث: تحقيق المصالحة السياسية بين مكونات المجتمع العراقي؛ وتوفير الأمن والاستقرار؛ ومحاربة الإرهاب الذي يمثله تنظيم "الدولة الإسلامية" ومن على شاكلته في المحيطين السني والشيعي على حدّ سواء.
إعلان المرشد الإيراني علي خامنئي، دعماً صريحاً لاختيار العبادي، وتلميح المرجعية الشيعية في العراق أربع مرات إلى أنها لا ترغب في ترشيح المالكي لولاية ثالثة، يعطي العبادي المزيد من الأوراق الرابحة؛ لأن هذه الأطراف أصبحت على قناعة كاملة بأن المالكي صار يضرّ بمصالحها ويسيء لمستقبل الشيعة السياسي في العراق. وبرغم هذا، ينبغي، في هذه المرحلة، عدم الاستهانة بقدرات المالكي على العرقلة. وهو دعا، بالفعل، أنصاره ومؤيديه، للتظاهر ضد اختيار العبادي "حتى لا يستهين أحد بإراداة الشعب"، على حدّ قوله، وذلك في أول ردّ على المرجع الشيعي علي السيستاني، الذي حرّم الخروج بتظاهرات من هذا النوع.
التسوية مع المالكي تعدّ التحدي الأهم حالياً أمام رئيس الوزراء الجديد المكلف. ونجاحه في ذلك سيتجلى في قدرة حكومة العبادي على الانعقاد في المنطقة الخضراء، مقر الحكومة العراقية، والتي ما تزال، منذ أيام، "قوات النخبة" التي تدين للمالكي بالولاء لا تسمح لأحد بدخولها. أمّا أنْ يظل، لوقت طويل، تشكيل الحكومة الجديدة بعيداً عن المنطقة الخضراء، ومقتصراً على منازل القيادات السياسية ومقارّ الأحزاب المختلفة، فإنّ هذا يعني مدى قدرة المالكي على العرقلة والتعطيل وربما "التخريب"، وهو ما لا نتمناه للعراق.