حين تعلق الحكومات فشلها على القدر

استطاعت كل حكومة الهروب من تقصيرها عبر إطلاق بعض المصطلحات التي تخفي عجزها عن القيام بواجبها المنوط بها، لتورث هذه المصطلحات للحكومات التي تليها من دون أن تعمل أية حكومة بصورة جادة أو حقيقية لتغيير الوضع القائم، بل تستريح لوجود منفذ يساعدها على عدم القيام بواجباتها، ومن أبرز هذه المصطلحات "المناطق الأقل حظاً"، حيث استخدم هذا المصطلح من دون تدقيق في معناه أو نتائجه.

فصار مصطلح الأقل حظاً يعفي الحكومة ضمنياً من مسؤوليتها عن التقصير بالقيام بواجبها وبتطبيق الدستور، مبرراً ما يحدث "للطلاب مثلاً"، كعدم وجود مدارس مؤهلة أو مدرسين أكفاء يعلمونهم، بأنه شيء قدري لا مجال لتغييره ويدخل في باب الحظ المحض وليس تقصيراً مستمراً من الحكومات تجاه المناطق المحرومة.

ولتجد الحكومة مخرجاً مريحاً لتقصيرها اعتمدت صيغة المقاعد الجامعية المخصصة لطلاب المدارس الأقل حظاً، وكأن الهدف من التعليم هو الحصول على شهادة تعلق على الجدار وليس الحصول على المعرفة وتطوير المهارات المعرفية بصورة تؤهل حامل الشهادة لدخول سوق العمل متسلحاً بقدرة تنافسية، هذا المخرج الذي بدا ذكياً لأزمة التقصير الحكومي، كان مدخلاً لأزمات أكثر حدة وتأثيراً.

فما أن يتخرج الطالب "الأقل حظاً" من الجامعة حتى يكتشف أنه غير قادر على المنافسة في سوق العمل المفتوح أمامه، لأن الجامعة لم تكسبه مهارات تنافسية، بل حافظت على حالته كـ"طالب أقل حظاً"، فلم يجد هذا الخريج إلا الوظيفة الحكومية، فامتلأت الكوادر الوظيفية بمؤسسات الدولة المختلفة بـ"طلابنا الأقل حظاً"، بما فيها مدارسنا الحكومية، فصار ناتج العملية التعليمية الحكومية بصورة عامة طالباً "أقل حظاً"، وصار ناتج عمل القطاع الإداري يتناسب مع مخرجات الأقل حظاً، وصار الأداء العام للدولة "أقل حظاً".

وعلى الجانب الآخر من المعادلة القدرية، نجد مناطق في عمان "أكثر حظاً"، وحين يتخرج أبناؤها يصيرون "الأكثر حظوة"، ويجدون عدداً من فرص، وبرواتب لا يتخيلها موظف القطاع العام، وتتطور فرصهم فيقفزون من مركب القطاع الخاص لإنقاذ مركب القطاع العام الذي يغرق عبر تسلمهم حقيبة وزارية أو رئاسة مؤسسة مستقلة، وحينها يحدث ما لم تره عين ولم تسمعه أذن.

حين تتشابك عوالم "الأكثر حظاً" مع عوالم "الأقل حظاً" تكون النتائج محسومة مسبقاً بصورة كارثية طبعاً، فمن هم "أكثر حظاً" لا يعرفون أبداً 75 % من الحالة الأردنية "الأقل حظاً"، وبالتالي فإن حلولهم "المعلبة والمستوردة" لن تتناسب مع الواقع، ولن تأتي بنتائجها المرجوة، بل ربما تحدث مضاعفات عكسية لوصفات "الأكثر حظاً" السحرية، ولأن الحلول المقترحة من "الأكثر حظاً" لا يجوز أن تكون خاطئة، فهي وصفات مجربة في منطقة ما، إلا أن المشكلة تكمن في الموظف "الأقل حظاً"، وليس في نظريات "الأكثر حظاً"، والحل هو إبقاء "الأقل حظاً" على حالهم، وترك النظريات على حالها.

لم تنجح محاولات الجراحة التجميلية التي تم اعتمادها في المراحل السابقة عبر استيراد خبرات من القطاع الخاص لإنقاذ القطاع العام المتراجع، فليس كل تزاوج بين القطاع العام والخاص ينتج بالضرورة حالة متطورة.

اضافة اعلان

على الحكومة مواجهة الحقيقة المرة وهي أن مخرجات التعليم العام والعالي ضعيفة، وعليها أن تستثمر بالتعليم العام والعالي، هذا الاستثمار طويل الأمد ولن تكون مخرجاته سريعة، ولكن بالتأكيد فإن الرابح الأكبر هو الدولة بجميع مفاصلها، حين تتراجع الحكومات عن مقولة "الأقل حظاً" لمصلحة العدالة في توزيع المنافع العامة والخدمات على أولاد الوطن الواحد.

[email protected]