خبراء: "أمطار الخميس".. تفضح البنية التحتية لعمان.. وتكشف عن عيوبها

CP0C7890
CP0C7890

عبدالله الربيحات

عمان - يتكرر مشهد الموت مع كل موسم مطري في الأردن، إذ لقي المواطن إبراهيم الطيراوي نحبه غرقا في منطقة خريبة السوق أول من أمس، أثناء محاولته إنقاذ أسرة داهمتها مياه الأمطار التي شهدتها البلاد.اضافة اعلان
بقيت جثة الطيراوي عالقة في المياه، إلى أن عثر عليها غطاسو الدفاع المدني وفرق بحث وإنقاذ، وفق إدارة الإعلام في المديرية العامة للدفاع المدني، التي قالت إن فرق الإنقاذ وضعت حواجز ترابية؛ لتقليل سرعة جريان المياه وتسهيل مهمة الغطاسين أثناء البحث عن الشاب.
هذا الموت المتكرر في مثل هذه الحوادث، يعيدنا الى فاجعة البحر الميت، التي لم تجف بعد قصة ضحاياها، والتي مر عليها نحو 3 أشهر، يضعنا أمام أسئلة كثيرة حول أسباب تكرار هذه الحوادث.
لم تكن سيول الخميس الماضي، وقبلها فاجعة البحر الميت أولى الفواجع التي تمر بها البلاد، فقد تسببت عاصفة مطرية في عمان في تشرين الثاني (نوفبمر) 2015، بمقتل أربعة، بينهم ثلاثة مصريين، بعد أن تسببت بحدوث انهيارات في البنية التحتية، وسبقها في عام 2014، مقتل ثلاثة مواطنين بسبب أمطار أغرقت شوارع رئيسة في عمان.
ناشطون حملوا الحكومة وأمانة عمان الكبرى ووزارتي البلديات والاشغال العامة والمياه والري نتائج تداعيات حوادث المنخفض الجوي أول من أمس، وتسبب بسيول قوية وفيضانات شديدة، معتبرين أن البنية التحتية للعاصمة والمدن والبلدات، تحتضر.
كما استنكروا سقوط ضحايا جراء الأمطار في غالبية المواسم المطرية، ومتسائلين بسخرية/ هل بات المواطن مجرد رقم يمكن إدراجه على قائمة ضحايا حوادث من هذا النوع.
وزير الاشغال العامة والاسكان السابق محمد طالب عبيدات، قال "ما من موسم مطري شديد يمر سنويا، إلّا ونشهد فيه غرقاً وخراباً للبنى التحتية في عمان، ومثلها معظم المدن الرئيسة، وهذا مؤشر على اهتراء البنى التحتية، ويتكرر المسلسل ذاته سنوياً، بينما نراوح مكاننا، ونطلق المبررات ذاتها، ولا أحد يعترف بالتقصير أبدا، لذلك فإنّا بتنا بحاجة لمساءلة كل مقصّر في هذا الصدد".
وقال عبيدات إن "الحلقات المتجددة من مسلسل الغرق السنوي، اسبابها كثيرة، وتتلخص في: ضعف جودة البنى التحتية، وتصريف المياه السطحية، وعدم استيعابها لتدفق المياه كنتيجة لشدّتها، ونقص استيعاب العبارات والمناهل، وضعف التصميم الهندسي لتصريف المياه، وسوء الإدارة؛ المتمثّل بتراكم الأتربة والمخلفات الصلبة التي تُغلق المناهل، وعدم تنظيف العبارات والمناهل وصيانتها دوريا، وتردي الحالة الفنية للمضخات الساقطة، وأسباب بعيدة المدى، كالاحتباس الحراري والتغير المناخي وغيرها".
وأضاف "بدأ الناس يشعرون بأن أمطار الخير، إلى جانب أنها نعمة، فهي نقمة على البنى التحتية التي لا تصمد أمام زخة مطرية لا تتعدّى كميتها المائة ملم خلال يوم واحد".
واوضح عبيدات ان تدفق المياه وجريانها وارتفاع منسوبها بوسط عمان وبعض المناطق والمدن الأخرى هذه المرة؛ كبير الى درجة أن المياه داهمت الأسواق والبيوت، وأتلفت البضائع وخرّبت بعض الطرقات، وشقّقت بعض الأبنية، ما يؤشر إلى رداءة جودة هذه المرافق، وعدم تحمّلها لأي تدفق مياه. وقال إن "حالة الطوارئ القصوى التي أعلن عنها، لم تشفع للأمانة البتة، فجهوزيتها في القوى البشرية والآليات، لم تكن بالمستوى المطلوب، فالمسألة ليست بالكفاءة التي لا نشك بها، لكنها على ما يبدو بالإدارة وقلّة الصيانة الروتينية وغيرها".
وطالب عبيدات بزيادة الجرعة التنسيقية المسبقة والتكاملية بين الجهات الحكومية كافة على الأرض، لتطبيق استراتيجيات الطوارئ فيها، وخصوصاً خلية إدارة الأزمات الخدماتية، وتتحمل الحكومة كل ذلك.
وبين اننا نحتاج لمساءلة المعنيين عن هذه الأمور، وفتح تحقيق موسع، للوقوف على الأسباب الحقيقية للمشكلة، وتحديد المسؤوليات ومحاسبة المقصرين، وإيجاد الحلول الناجعة، درءاً لتكرار الحلقة التالية من المسلسل السنوي في الأعوام المقبلة.
وأوضح ان المواطن العادي؛ يلحظ استهتار وتقصير بعض المسؤولين؛ وحان الوقت للمساءلة وبأثر رجعي، لتغييرات جذرية في وجوه الصف الأول، فالوطن لم يعد ساحة تجارب ولا نمتلك ترف الوقت.
ولفت الى اننا نحتاج ايضا، لإعطاء الدراسات الهيدروجية أهمية قصوى في تصريف مياه الأمطار؛ ولا بد من وجود لجان وأقسام تتابع ذلك؛ للمناطق الحضرية في المحافظات.
مهندس الطرق ميسرة ملص؛ بين انه في ظل استمرار اتساع رقعة الموت، نتيجة الكوارث الطبيعية التي ألمت بالبلاد، لا بد من دراسة التغيرات المناخية، وإعادة النظر في طريقة إنشاء البنى التحتية، لافتا الى أن أكبر دليل على ذلك، فيضان العبارة الضخمة الموجوده في راس العين لغاية عين غزال أول من أمس، ما تسبب بغرق وسط البلد.
وقال سنويا، كانت تطرح عطاءات لتنظيف تلك العبارة؛ فهل طرح عطاء لتنظيفها العام الحالي، كما ان المطر كان أعلى من المعدل، وهذا واضح؛ لكن هل حجم عبارة راس العين يتناسب وارتفاع معدل الهطول المطري الذي نزل أول من أمس، هذه المعلومات لا بد ان تناقش لمعرفة من المقصر.
وأضاف ملص إن البنية التحتية للعاصمة ولمدننا، لا تستطيع مواجهة السيول، فـ"الطرق غير مصممة لهذا الحجم من الفياضانات، لأن كلفتها عالية جدا".
وأوضح ملص لـ"الغد" أن تصميم العبارات والجسور والمنشآت المائية، يتم عادة بناءً على احتساب كمية المياه للفيضان المتوقع خلال 50 أو 70 عاماً، ولا تصمم لفيضان متوقع بعد 200 عام مثلا وبكمية هائلة، لأن ذلك ينعكس على حجم العبارات والمنشآت وبالتالي على كلفتها.
واتفق المهندس الجيولوجي عبدالله تيم مع حديث ملص، إذ يؤكد أنه لا بد من دراسة أرض أي منشأة سيجري بناؤها ومحيطها، لكن هذا لا يتم في المملكة.
وأشار تيم إلى أن تأثير التغيرات المناخية على الأردن بات كبيرا، وأصبح هناك تغيير في نمط الهطول المطري، بمعنى أن "كمية المطر التي كانت تهطل في أسبوع، أصبحت تهطل في ليلة واحدة، والموسم المطري بعد أن كان يتوزع على على فصل الشتاء، أصبح يتركز في أيام محددة وبغزارة، ما يؤثر على المنشآت من أبنية وطرق، ويقلل من تغذية المياه الجوفية".
ولفت تيم ان السيول تحدث نتيجة هطول أمطار غزيرة على أسطح منحدرة وضعيفة الامتصاص، أكانت صخرية أو جافة التربة، ونظرا لضعف امتصاص السطح للمياه وانحداره، تندفع للأسفل مكتسبة سرعة إضافية، وتتجمّع لتشكل تياراً أو عدة تيارات.
وتختلف قوة السيل وحجمه بحسب تيم؛ بناء على عدة عوامل؛ أهمها: ملاءمة السطح، وكمية الأمطار وشدّتها، وهي العلاقة بين الكمية وزمن الهطول نفسه، فتتراوح السيول بين الضعيفة والمتوسطة والقوية.
والنوع الأخير من السيول؛ له القدرة على إحداث كوارث قد تؤدي لخسارة الأرواح والممتلكات، كما يحدث حالياً في دول عربية.
وبين الخبير البيئي المهندس فراس داود؛ أن ما عاشته عمّان اول من أمس هو استثناء في الهطول المطري، لم تكن شبكة تصريف مياه الأمطار قادرة على استيعابه؛ ما أدى لتشكل السيول، وإغراق العديد من المساكن، بخاصة الواقعة على أطراف الأدوية ومجرى السيل.
واوضح داود لـ"الغد" ان ما حدث لا يرقى لمستوى الكارثة الطبيعية التي تخضع لمعايير عالمية، مضيفاً أنه "استثناء في الهطول المطري، مقارنة بالبنية التحتية لعمّان".
واشار أن مياه الأمطار التي تساقطت اول من امس، أكبر من القدرة الاستيعابية لشبكة تصريف المياه في عمّان، لكن ذلك لا يعفي مسؤولي الأمانة من تحمل المسؤولية، إزاء التنظيم العشوائي للمدينة، والسماح بالبناء على أطراف الأدوية، وغياب تنظيم شمولي حقيقي لعمّان، كما أن ما حدث في عمّان نتاج ترحيل الجهات المسؤولة لأزماتٍ عديدة، تعيشها المدينة دون ايجاد حلول جذرية لها.
وقال داود إن "المشكلة تكمن في عدم وجود خطة للتعامل مع تلك الأزمات المتشعبة والمتداخلة، بدءاً من البيئة، ومروراً بالنقل، وليس انتهاء بالبناء"، مضيفا أن مدينة عمان تحديدا بحاجة لتعليق جرس الإنذار لمعالجة القضايا التي تعترضها، وإعادة النظر في التراخيص ونظام البناء، وتأهيل البنى التحتية وتوسعتها، فضلاً عن معالجة أثر الكتل الاسمنتية في الطبيعة، والمخالفات الواقعة على شبكة تصريف مياه الأمطار، متوقعا تكرر مشهد السيول المطرية مستقبلاً ما لم تحل هذه المشكلات.