خبراء: التعليم المهني يتأرجح بين ثقافة العيب وضعف وتدني مخرجاته

طالبان بحصة في مشغل تدريبي بأحد مراكز التدريب المهني (ارشيفية)
طالبان بحصة في مشغل تدريبي بأحد مراكز التدريب المهني (ارشيفية)

آلاء مظهر

عمان- يعاني نظام التعليم المهني والتقني من معوقات عديدة، حدت من تطوره، وابعدت شرائح مجتمعية مختلفة عن خوض غماره، لينعكس هذا سلبا على مساهمته بنمو وتطوير مكونات الاقتصاد الوطني.اضافة اعلان
المواطن محمد سالم (اسم مستعار)، تغلب على عقدة المعوقات، والتحق بالتعليم المهني، فرع التبريد والتكييف لانه "احب هذا المجال، ولا اجد نفسي في التخصصات الاكاديمية".
وأضاف سالم لـ"الغد" ان "افراد عائلتي انزعجوا كثيرا من اصراري على التعليم المهني، ووصل الامر بهم لمقاطعتي، بخاصة والدي الذي يعتبر هذا التعليم، غير مناسب لعائلتنا التي يحمل أغلب افرادها شهادات جامعية".
ولفت الى ان المجتمع يرى في تعلم التخصصات المهنية، نوعا من قصور الأفراد الملتحقين بها عن استكمال تعليمهم الأكاديمي، الى جانب ما ترسخ بفعل "ثقافة العيب"، من أن التعليم المهني، مقصور على من هم ادنى اجتماعيا.
وبين ان رفض والده لتعليمه المهني، مرتهن لهذه المسببات، اذ "كان يحبذ ان اصبح طبيبا مثله، وان اساعده في عمله، خصوصا ان اخي الذي يحمل شهادة في الحقوق، ما يزال بلا عمل".
وأشار سالم الى "أنه بعد اجتيازي لامتحان الثانوية العامة (التوجيهي) في مجال التبريد والتكييف عام 2009، التحقت بشركة صناعات هندسية، وعملت لديها لثلاثة اعوام، وبعدها عملت في شركة بالامارات، والآن بعد مرور هذه الأعوام، اثنى والدي على خياري، واصبح يشجع الجميع على الالتحاق بالتعليم المهني".
وتخبرنا الاحصائيات الرسمية، بأن هناك 41 كلية مجتمع خاصة وعامة في الأردن، يلتحق فيها نحو 21 الف طالب، أقل من ثلثهم ملتحقون ببرامج تقنية.
من  جانبه، قال الدكتور بجامعة البلقاء التطبيقية احمد شموط ان من اسباب عزوف الطلبة عن التخصصات المهنية والتقنية، الثقافة المجتمعية السائدة، والمكانة الذهنية المرتبطة بالتخصصات التقنية والمهنية، والتي ما تزال دون المستوى المطلوب.
واضاف شموط ان عدد الطلبة الاردنيين الملتحقين ببرامج التدريب المهني، بلغت اقل من 11 % من طلبة التعليم العالي، الملتحقين ببرامج تقنية تطبيقية، تسمتر لعامين "دبلوم"، وهذا دليل واضح على عزوف الطلبة عن الالتحاق بالتعليم المهني والتقني.
وعزا شموط سببب قلة التوجه لهذا النوع من التعليم، ليس فقط للثقافة المجتمعية السائدة، بل لسوء اسلوب التخطيط للمسار التقني من المعنيين، بما فيهم المشرع والتشريعات الناظمة والقطاعين العام والخاص ووزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي.
واشار الى ان وجود ضبابية حول مفهوم التعليم المهني والتقني، تجعل كثيرا من الطلبة مترددين في الالتحاق بهذا النوع من التعليم.
واوضح شموط ان التعليم المهني والتقني، اجدى واكثر نفعا من الاكاديمي، والدليل على ذلك، أن فرص العمل المتوافرة فيه، عديدة ومتنوعة، وافضل من المتوافر للخريجين الاكاديميين.
وأشار الى ان تخصصات العلوم الانسانية، تعاني من الركود، وهذا ما تظهره احصائيات ديوان الخدمة المدنية، إذ ان هناك خريجين اكاديميين في هذه التخصصات، لا يجدون فرص عمل.
وشدد شموط على ضرورة ان يكون هناك "توجه وشحن للهمم باتجاه التنسيق والتنظيم وتحديد مرجعية واحدة للتعليم التقني والتدريب المهني"، للوصول الى الحالة التكاملية بين المدرسة بمراحلها الاولى وصولا للجامعة، مرورا بالثانوية العامة والدبلوم.
ودعا لتحديث التشريعات المتعلقة بالتعليم، لتتواءم مع متطلبات الأسواق المحلية والعربية والدولية، لافتا الى أننا في دول الجوار وبالذات دول الخليج، نجد اقبالا على التخصصات المهنية، لذلك علينا معرفة ما يحتاجه القطاع الخاص، وتوفير ما ينسجم مع متطلباته، من حيث تحديث المناهج وضبط الجودة في مسألة التعليم التقني.
ولفت شموط الى اهمية اشراك القطاع الخاص في خطط التعليم المهني، كونه قطاعا مطلعا وممارسا، لذلك لا نستطيع وضع المدخلات اللازمة بالعملية التعليمية، دون اشراكهم باعتبارهم اصحاب خبرة.
واوضح ان تعدد المرجعيات وعدم وجود تنظيم للتعليم المهني وضعف التشريعات بهذا الجانب، ما يزال يحد من تقدم هذا التعليم، في ظل عدم وجود نظام للمؤهلات الوطنية التي تجعل الطالب، يستمر بدراسته ولا يتوقف عن حد معين في التعليم.
وبين ان الخطط المقبلة لهذا القطاع، يجب ان تكون مدروسة لتصبح متناغمة مع الخطط الجامعية ومتطلبات سوق العمل.
واشار شموط الى ان كثيرا من ارباب العمل، عندما يستقبلون طلبة متدربين، يجدونهم غير قادرين على الكفايات اللازمة، لذلك من الضروري الاهتمام بنوعية المناهج التي تدرس للطلبة، وتطوير مهاراتهم الفردية والتقنية، ووضع نظام يضبط الجودة ويتابعها باستمرار.
في دراسة أجراها نيلسن من مؤسسة التمويل الدولية والبنك الإسلامي للتنمية في عام 2011 حول أصحاب العمل الإقليميين، يتبين أن 10 % فقط من أصحاب العمل بالأردن، كانوا راضين عن "المهارات التقنية"، في حين أن 16 % منهم فقط، كانوا راضين عن "المهارات الشخصية" للخريجين المهنيين، في وقت كانت فيه معدلات الرضا لدى صاحب العمل بالسعودية تزيد على هذه النسب ثلاثة أضعاف. 
وأكد شموط على دور وسائل الاعلام المختلفة بتسليط الضوء على اهمية التخصصات التقنية، منوها الى ضرورة وضع نظام خاص نتمكن عبره من استقطاب الطلبة الذين لديهم ميول مهنية تقنية، وتحفيزهم، وايجاد بيئة مناسبة للتطوير.
وقال ان مصطلح "الدول الصناعية الكبرى" ينطوي على ما تحمله بنيتها المتخصصة بالتعليم التقني، اي أنها تهتم بهذا النوع من التعليم اكثر من غيره، وتعزز التوجه اليه.
واضاف شموط ان القطاع السياحي في الاردن، اكثر نموا من باقي التخصصات، ويسهم بشكل كبير في الناتج المحلي الاجمالي بنحو 17 %، ويتوقع ان يخلق هذا القطاع، وخصوصا تخصص الضيافة وفق الدراسات والاحصائيات 25 الف فرصة عمل في الأعوام المقبلة.
واعتبر شموط أن ما يقال عن ان الذين يتخرجون من التعليم المهني لا يجدون فرص عمل، غير صحيح، والدليل على ذلك ان 95 % من خريجي الاكاديمية الملكية لفنون الطهي، وجدوا فرص عمل مباشرة لهم، وهم ما يزالون على مقاعد الدراسة.
واظهرت دراسة لادارة التعليم المهني والتدريب بجنوب وشرق البحر المتوسط للعام الماضي، ان 29 % من الشباب في العام 2012/2013 وتتراوح اعمارهم بين 15– 24 في الاردن، لم يكونوا في مجالس التعليم أو العمل، وزادت هذه النسبة الى 30 % عند اضافة الشباب الذين تتراوح اعمارهم بين 15 - 29 عاما.
كما تبين بحوث عالمية، ان الشباب الذين يشاركون في العمل او التعليم، يتعرضون للانعزال عن المجتمع، ويحصلون على دخل تحت خط الفقر، الى جانب افتقارهم للمهارات اللازمة لتحسين اوضاعهم الاقتصادية، بحسب الدراسة.
بدورها، عزت مديرة الدعم المؤسسي لمزودي التدريب في مشروع تطوير القوى العاملة بالاردن نادرة البخيت، عزوف الشباب عن التعليم والتدريب المهني والتقني، لاسباب عديدة، منها؛ النظرة الدونية للشباب والمجتمع الاردني للعمل المهني.
ولفتت البخيت الى ان الذي ساعد بتعزيز هذه النظرة السلبية للعمل المهني، ظروف وبيئة العمل في القطاع الخاص غير الملائمة، مثل طول ساعات العمل، وضعف الاجور وعدم توافر الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي في كثير من المؤسسات.
كما اشارت الى عدم قناعة ورضا القطاع الخاص عن مخرجات برامج التعليم والتدريب المهني والتقني، بالاضافة الى ضعف البرامج التدريبية لدى مزودي التدريب، وعدم مواكبتها لاحتياجات السوق.
وأوضحت أن فتح المجال لخريجي الثانوية العامة للالتحاق بالجامعات، ادى لعزوف الشباب عن التعليم والتدريب المهني والتقني، ما أوجد طوابير من خريجي الجامعات في التخصصات الراكدة، يعانون من البطالة طويلة الاجل.
واشارت البخيت الى اهمية تشجيع الطلبة للالتحاق بالتخصصات المهنية عبر العمل على جانبي العرض والطلب، لتحسين هذه النظرة.
فعلى جانب الطلب، يجب تطوير الانظمة والتشريعات التي تنظم سوق العمل من حيث ظروفه وشروطه وساعات الدوام والاجور، للمحافظة على بقاء الداخلين اليه وعدم تسربهم، وجذب الشباب وتغيير النظرة للعمل في القطاع المهني.
وأكدت البخيت اهمية تنظيم سياسات واستراتيجيات التعليم والموارد البشرية، حيث يفتقد القطاع لانظمة مرنة لمعلومات سوق العمل، تساعد راسمي السياسات والتشريعات واصحاب القرار، باتخاذ قرار مدعوم بالمعلومة السلمية، لتصيحح مسار التعليم العام والجامعي.
وشددت على ضبط جودة مخرجات مزودي التعليم والتدريب، والتأكد بان مخرجات هذه البرامج، تعكس احتياجات سوق العمل فالخريج يمتلك المهارات المطلوبة في الجانبين المسلكي والمهني، بالاضافة الى تطوير نظام وطني للمؤهلات، يواكب الانظمة الاقليمية والدولية، ليتسنى للخريجين العمل داخل وخارج المملكة.
ودعت الى دعم سياسات التمويل وتنظيمها، بحيث يمكن تحسين وتطوير البرامج الرسمية في التدريب والتعليم المهني والتقني، وان تستند قرارات التمويل لهذه البرامج لمعايير واضحة حول نجاعتها برفع قدرات المتدربين، ومواءمة المخرجات لاحتياجات السوق.
واشارت البخيت الى البرامج المنفذة حاليا في المؤسسات التعليمة كوزارة التربية والتعليم ومؤسسة التدريب المهني وكليات المجتمع المهنية، تعاني من ضعف شديد في التمويل.
وقالت ان "الحاجة لاستقطاب المدربين والمعلمين الكفؤين، وتعزيز المشاغل التدريبية بالاجهزة والمعدات الحديثة، وتطوير البرامج التدريبية، وتحسن البنية التحتية، تحقق تنفيذ برامج تواكب متطلبات سوق العمل وبيئة تعليمية جاذبة للشباب".
ودعت الى دعم وتعزيز دور القطاع الخاص في التعليم والتدريب المهني والتقني، عبر مأسسة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتقديم الدعم والحوافز لجذب القطاع الخاص، لانشاء وادارة مؤسسات التعليم والتدريب المهني.
ولفتت البخيت الى أن مخرجات برامج التعليم والتدريب المهني والتقني، لا تواكب السوق، ما يدعو لاتخاذ سياسات وقرارات وطنية لتحسينها، واهمها تعزيز ادوار مؤسسات وهيئات الاعتماد وضبط الجودة، للتأكد من ان البرامج المقدمة تتسم بالجودة العالية، وتعكس احتياجات وطنية تواكب المعايير الاقليمية والدولية.
وبحسب النتائج التي توصلت إليها دراسة "تقييم الاحتياجات التدريبية" التي قامت بها وكالة التنمية الدولية الكندية عام 2011 فـ"إن البرامج الفنية نظرية جداً، بشكل لا يلبي احتياجات الصناعة".
وأكدت الدراسة على الدور الحساس الذي يلعبه المدرب او المعلم في العملية التعليمية التدريبية، لذلك يجب ان يكون هناك اعتماد وترخيص للمدربين والمعلمين، وعدم السماح لهم بممارسة العمل قبل تعريضهم لدورات تدريبية، تساعدهم على مزاولة التعليم والتدريب، كذلك الاهتمام بتطوير مسارهم المهني.