
فرح عطيات
عمان – انتقد خبراء بيئيون طريقة تعامل الحكومة مع ما تشهده المملكة من كوارث طبيعية؛ ناجمة عن تأثيرات ظاهرة تغير المناخ، لكونها قائمة “على مبدأ الفزعة وردة الفعل في كل مرة، دون أن تضع خططا وبرامج للتكيف معها، وتفعيل نظام الإنذار المبكر القائم على التنبؤات المسبقة والعلمية لآثارها”.
وأكد هؤلاء لـ”الغد”، أن “ما يشهده الأردن من فيضانات وسيول وكوارث طبيعية، ليس فقط نتيجة تأثيرات التغير المناخي، بل بسبب التخبط الاداري في ادارة الازمات، والتوسع العمراني الذي لا يأخذ بالاعتبار مناطق الفيضان”.
وشددوا على “ضرورة أن يتم ايلاء التكيف مع تأثيرات التغير المناخي الاهمية، وأن تضعها الحكومة على أجندة اولوياتها، وعدم تكرار القول إنها مفاجئة، ولا بد أن تنسق الوزارات فيما بينها”.
وليست السيول الاخيرة هي الأولى التي تشهد فيها المملكة عواصف مطرية، تسببت بحدوث سيول وفيضانات في مناطق منها، وأودت بحياة أطفال ومواطنين، والحقت خسائر واضرارا مادية، بل تكررت للمرة الثالثة الموسم الحالي، وبعد مضي ثلاثة اشهر تقريبا على فاجعة البحر الميت التي وقعت في 25 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وأودت بحياة 21 مواطنا ومواطنة و43 إصابة معظمهم طلبة مدرسة خاصة.
وبعد أسبوعين من تلك الفاجعة؛ ضربت المملكة عاصفة مطرية اخرى تسببت بوفاة 12 شخصا، لقوا حتفهم جراء السيول والفيضانات، في مستهل تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وفي مناطق معان ومدينة البتراء السياحية ووادي موسى في الجنوب، ومحافظتي مادبا والبلقاء وسط البلاد.
وبرأي الخبيرة بالشأن البيئي صفاء الجيوسي؛ فإن “القول إن التغير المناخي غير موجود، انتهى منذ سنوات عدة، فالعلم أثبت بأن هذه الظاهرة وتأثيراتها، أصبحت واضحة، وكافة الكوارث الطبيعية الناتجة عنها مثبتة، ويجب علينا التكيف معها، وللاسف الشديد فإن الدول الهشة والضعيفة، هي الاكثر تأثرا بها”.
ولفتت الجيوسي الى أن “الدول التي تضع المواطن وحمايته ضمن اولوياتها، تتحدث عن الخسائر والاضرار التي تلحق بها نتيجة التغير المناخي في المحادثات العالمية، وتطلب تمويلات لمشاريع مختلفة، ويجب أن ينعكس ما يجري على المستوى العالمي محليا”.
ولا بد في رأيها “من اعتماد مبدأ التعويض عن الخسائر والاضرار، اكانت عن طريق شركات التأمين، أو أخرى لديها تعاقد مع الحكومة، في وقت ما تزال فيه تأثيرات التغير المناخي في بداية مواسمها، وبعد مضي عدة اعوام، ستصبح أكثر تعقيدا وخطورة”.
وحذرت من أن “ما سينتج عن تغير المناخ في موسم الصيف من حدة في الطقس، ستنعكس سلبا على الافراد لشدة الحر، فضلا عن الضرر الكبير الذي سيلحق بالمحاصيل الزراعية، لذلك لا بد من أن تضع الحكومة آلية للتعويض عن ذلك وبشكل عادل، ما يعد جزءا مهما من التكيف”.
وأضافت الجيوسي إن “الحكومة ممثلة بوزارة البيئة، نالت تمويلات تقدر بملايين الدنانير من صندوق التكيف، وغيره، للتكيف مع تأثيرات هذه الظاهرة، ووفق ما جاء في بنود اتفاق باريس، يجب ألا يستمر العمل على أساس نظام الفزعة المتبع حاليا”.
وأكدت أن “ما يعيشه الاردن حاليا من فيضانات وسيول، والكثير من الاضرار، ليس فقط نتيجة تأثيرات التغير المناخي، بل بسبب الفساد والتخبط الاداري بادارة الازمات، والتوسع العمراني الذي لا يأخذ بالاعتبار مناطق الفيضان، والاستخفاف بالطبقات العاملة”.
ومن حلول التعامل والتكيف مع ظاهرة الاحتباس الحراري، وفق الجيوسي “تطبيق مفهوم العدالة الاجتماعية، والاخذ بما جاء في التقارير المحلية والعالمية عن السيناريوهات المتعلقة بها، وأن ترسل وفود للمشاركة في المحافل الدولية ذات كفاءة وقدرة، على عكس ما يجري على ارض الواقع في الاردن”.
واستغربت من “تشكيل الحكومة للجنة محايدة للوقوف على ما جرى بوسط البلد نتيجة الامطار والسيول، لانها ستضم في عضويتها الوجوه والاشخاص ذاتها، متناسين الاستعانة بخبراء اقتصاديين وبيئيين بالتغير المناخي، ومهندسين وغيرهم؛ قادرين على تحديد مواطن الخلل وعلاجها”.
وكان أوعز رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز اول من أمس، باختيار جهة محايدة لتحديد فيما اذا كانت هناك أي مسؤولية أو تقصير من أي جهة أدت بنتيجتها للأضرار التي لحقت بالمحلات التجارية بوسط البلد، جراء ما شهدته المملكة من امطار الخميس الماضي”
كما تشكلت لجنة تضم ممثلين عن وزارات: الداخلية والصناعة والتجارة والتموين والمياه والري، وأمانة عمان الكبرى، ودائرتي ضريبة المبيعات والجمارك، وغرفتي تجارة الاردن وتجارة عمان، لتحديد وتقدير حجم وقيمة الأضرار، ومتابعة عمل الجهة المحايدة المكلفة بتحديد اسباب التقصير أو عدمها فيما حدث”.
“السمة العامة للتعاطي مع المشاكل المرتبطة بالكوارث الطبيعية، والناجمة عن تغيرات المناخ، تأخذ ردة الفعل لا الفعل، بمعنى اننا لا نعد خططا ودراسات، ولا ننفذ مشاريع وفقا لخطة سلامة عامة، مرتبطة مباشرة بالتنبؤات العلمية لآثار تلك الظاهرة، ولا نحدد احتياجات التأهيل للمشروعات وفقا لذلك”، وفق رئيسة جمعية دبين للتنمية ومنسقة تحالف الجمعيات من أجل الغابات هلا مراد.
وأكدت مراد أن “ما ورد من تبرير حكومي، بأن شدة وكثافة الهطل لم تكن متوقعة او اكبر من اي تجهيزات، وانه من الطبيعي حدوث ما حدث، تقود لنتائج مشابهة محتملة في المستقبل، بالاستمرار بخسارة الارواح والممتلكات والمقدرات، إن لم تأخذ السلطات التنفيذية والتشريعية احتياطاتها بجدية”.
ومن وجهة نظرها؛ “لا بد من تحديد تلك السلطات لاولوياتها ضمن محددات علمية وفنية وتشريعية دقيقة، لعدم معرفتنا الى اين وصل نظام تغيير المناخ، الذي بدأ النقاش عليه منذ عامين تقريبا”.
وحذرت مما اسمته “باستيلاء الإعمار غير المدروس في المدن على الأراضي الزراعية، وفق نظام استعمالات الأراضي الموجود حاليا، والذي طالبنا منذ سنوات بتغييره او تعديله على ابسط تقدير، منعا لتعريض مدننا لتأثيرات تغير المناخ، دون وجود خطط للتعاطي مع هذه الحساسية المفرطة التي قد تعاني منها مستقبلا”.
واعربت عن “استغرايها من الاستهتار في التعامل مع المناطق القريبة من السيول ومجاري الوديان، دون تطويرها وتجديدها، في وقت لا بد فيه من أن يكون نظام الانذار المبكر فعالا في المناطق الساخنة والقريبة من الناس والسكان”.
ودعت مراد “الحكومة بضرورة الاتجاه لتمكين المجتمعات والسكان وبشكل حقيقي للعب دور ايجابي، للحد من اغلاق مجاري المياه، والمساهمة بالحد من الاخطار، التي قد تودي بأرواحهم وممتلكاتهم، إذ أن تغير المناخ اصبح أقرب لفهم العامة، بعد أن كان مكدسا في الصالونات واروقة الفنادق والمؤتمرات، ولا يتناوله سوى النخب، دون اي تطبيق حقيقي للمخرجات”.
ورفضت أن “يجري التعامل مع قضية تغير المناخ على انها ترف بيئي، بل على أنها من أبرز وأهم القضايا البيئية، انطلاقا من حقوق الانسان، التي من اهم مبادئها الحق بالحياة والأمن، والصحة والعيش في بيئة سليمة”.
كما يجب أن “يستمع لآراء الجهات المسؤولة من وزارات وهيئات، وتحميلهم المسؤولية، دون ان يلقى على جهة واحدة ، فالتنسيق واجب حتمي، ولا بد أيضا من رفض المبررات والعمل بردة الفعل الفزعوية التي لا تحاول التعاطي مع السبب الحقيقي لما يحدث”.
وبحسب آخر تقریر للهيئة الحكومیة الدولیة المعنیة بتغیر المناخ (IPCC) فإنه اذا “تم الحد من ارتفاع درجة الحرارة قبل الثورة الصناعیة بـ5.1 درجة مئویة او درجتین، فسیؤدي لان یرتفع عدد المناطق التي ستعاني من جریان المیاه والفیضانات الخطرة وهذا یعني انه اذا لم یجر الحد من التغیر المناخي فسیعاني الاردن من تبعاتها”.
“ونظرا للظروف الجوية غير الاعتيادية التي شهدتها المملكة الفترة السابقة، والخسائر البشرية والمادية التي يتكبدها المواطن، فيحتم على الحكومة التفكير مليا ببناء منظومة انذار مبكر، يصاحبه برنامح بناء قدرات وطني للمؤسسات المعنية، للتعامل الدقيق مع التغيرات المناخية”، وفق رئيس اتحاد الجمعيات البيئية (الاتحاد النوعي) عمر شوشان.
وشدد شوشان على أن “الجاهزية الاستباقية في التعامل مع مثل هذه الظروف، الحل الأفضل في التكيف مع هذه التغيرات، والتخطيط العشوائي في التوسع العمراني، والتعدي على المساقط المائية والتي تنذر بكوارث طبيعية لا حصر لها”.
وأكد شوشان “ضرورة أخذ عوامل التغير المناخي بجدية مطلقة عند التخطيط، وبناء مشاريع البنى التحتية، يبنما ما يزال صانع القرار الرسمي، لا يؤمن بأهمية قضايا التغير المناخي، وهنا علينا ربط مخرجات التقارير العلمية بالتعامل مع الازمات التي ما تزال الفزعة الأسلوب الوحيد في مواجهة الظروف الاستثنائية”.
ولفت الى أن “الوقت حان لوضع برنامج تنفيذي تشارك فيه مؤسسات الدولة في التكيف مع آثار التغير المناخي والتخفيف من الخسائر المحتملة”.