خدمات التطرف الإسرائيلي

أهم نتائج القمة الثلاثية تمثلت في محاصرة التطرف الإسرائيلي في أشد حلقاته هشاشة ألا وهي التوسع الاستيطاني

     لردح طويل من الزمن عاشت إسرائيل وأحسنت الأداء في توظيف مظاهر الرفض العربي والفلسطيني لصالح سياساتها الماكرة، بل وعملت بصورة منهجية على إبراز كل قول أو موقف أو بيان عرمرمي صادر عن أي من العواصم والفصائل، لتعزيز روايتها الكلاسيكية الزاعمة أن العرب هم من يرفضون المفاوضات، حتى بعد أن أسقط هؤلاء خيار الحرب وأحلوا محله السلام كخيار استراتيجي.

اضافة اعلان

ولما كان الرفض العربي يشي بالعجز أكثر مما يعبر عن الاستعداد للمواجهة الندية، فقد وجدت إسرائيل ضالتها المنشودة للمضي في سياساتها التوسعية الاستيطانية، وتجاهل سائر المبادرات الدبلوماسية، وهي مطمئنة إلى أن الحقائق التي تقيمها على الأرض سوف تتمكن، مع مرور وقت إضافي وقدر من التفهم لخطابها المراوغ، من الدفاع عن نفسها بنفسها كأمر واقع لا يقبل الامّحاء.

 ومع أن إسرائيل لم تتوقف إلى اليوم عن الارتزاق من بضاعة الرفض، والاستثمار بنجاح في العدمية السياسية العربية، إلا أنها لم تعد تستطيع، منذ عدة سنوات، التسوق كيفما تشاء، وانتقاء ما ترغب في شرائه من على رفوف بضاعة الكلام المدجج بالبلاغة العربية، وذلك بعد إن أقفل أغلب العرب والفلسطينيين أبواب دكاكين الشعارات التي قدحت شرراً كثيراً ولم توقد ناراً في الحقل.

 وحتى لا نذهب بعيداً في تقليب المواجع، واستذكار تلك السلسلة الطويلة من اللاءات والإخفاقات، دعونا نتوقف اليوم أمام مشهد الاجتماع الثلاثي في نيويورك بين أوباما وعباس ونتنياهو، كي نتمكن من رؤية السحر وقد انقلب على الساحر، ومن ثم الوقوف على مغزى تبدل الأدوار بين الضحية والجلاد، حين كفّت الأولى عن تقديم خدمات الرفض المجانية المعتادة، فيما قام الثاني بأخذ المهمة على عاتقه بالكامل، عارضاً قوامه كطرف يقف قبالة العالم قاطبة، وهو يدافع عن سياسات استيطانية توسعية مدانة على أوسع نطاق.

إذ لو أن الرفض العربي كان ما يزال في عصره الذهبي، وكانت المواقف الاستعراضية والسياسات الشعبوية محل تداول إلى الآن، لأصيبت القيادة الفلسطينية بالرهاب، وهرعت من تلقاء نفسها إلى رفض اجتماع نيويورك، لتعاود من جديد تقديم خدمات الرفض التي لا طائل من ورائها لصالح سيد التطرف الإسرائيلي المقيت، من دون أن تكسب من وراء رفضها هذا غير تشديد الخناق على نفسها، وإضعاف مركزها التفاوضي، وتحرير نتنياهو من مشاق الاشتباك الدبلوماسي مع العرب والأوروبيين والأميركيين وغيرهم.

وبعيداً عن القراءات الأولية المتطيّرة، والاستنتاجات السلبية المسبقة، فإن السؤال المطروح هو: إذا لم تكن هناك مكاسب يعتد بها من وراء اجتماع نيويورك، فما هي الخسائر التي تحققت من وراء هذا الاجتماع الذي أظهر فيه قائد العالم التزاماً متجدداً ببدء عملية سلام جدية وفق رؤية حل الدولتين، وكرر مقارباته بعدم شرعية بناء المستوطنات، فضلاً عن اعتبار قيام الدولة الفلسطينية مصلحة قومية أميركية، أي انخراط الولايات المتحدة بكامل وزنها في قضية تود إسرائيل أن تظل مسألة تفاوضية ثنائية بلا رقيب أو حسيب.

 ورغم أن الكلمة الأخيرة في هذا المسار الذي يواصل أوباما السير عليه بتصميم شديد لم تكتب بعد، فإنه يمكن القول من الآن أن إحدى أهم بواكير نتائج القمة الثلاثية غير المعول عليها سلفاً من جانب الكثيرين، تمثلت في محاصرة التطرف الإسرائيلي في أشد حلقاته هشاشة، ألا وهي التوسع الإستيطاني الذي لا سند له سوى القوة العسكرية المجردة، ناهيك عن إعادة جلاء صورة إسرائيل كولد شقي وعاق لأبويه، بعد أن أذاع مكتب نتنياهو بيان انتصار متغطرس ضد أوباما، الذي يمكن إسقاطه بالضربة الفنية القاضية في الجولة الأولى قبل أن تبدأ.

[email protected]