خسارات الطبقة العاملة

 

 خسر العمال عطلة عيدهم اذ صادف يوم أمس الجمعة وفي أزمنة سابقة كان يتمّ بالضرورة التعويض عنها في اليوم التالي أو السابق، أمّا في ايامنا فوجود هذه العيد نفسه بالكاد يبقى مقبولا ولم يعد بقاء العطلة مضمونا، ويتجرجر الاحتفال بالعيد كل عام ليصبح أكثر بهوتا وانكماشا من سابقه.

اضافة اعلان

على جدار مكتبي صورة وحيدة ما زلت أحتفظ بها من ايام الدراسة في الجامعة وهي مسيرة عمّالية من بدايات القرن العشرين وتبدو اقرب لصورة فوتوغرافية قديمة جدا أكثر منها لوحة زيتية. وقد اصبحت شهيرة جدا بسبب استخدامها ملصقا لفيلم شهير في السبعينات للمخرج الايطالي المبدع بيرتولوتشي اسمه "التاسع عشر" وهو يتحدث عن حقبة الثورة الصناعية نهاية القرن التاسع عشر والصراع بين الرأسمالية والطبقة العاملة من خلال سيرة عائلتين ترتبطان بصداقة وصراع لا ينتهي من جيل لجيل.

مبدئيا كان يجب لهذا الصراع أن ينتهي بانتصار الطبقة العاملة التي ستعمم نظامها على المجتمع (الاشتراكية) أي العمل للجميع والملكية مشتركة لوسائل الانتاج فينتهي الاستغلال وانقسام المجتمع الى طبقات وتوزع البشر بين ذروة الغنى والهيمنة وقاع الفاقة والانسحاق، وستعمّ المساواة والرخاء. انه "الفردوس الأرضي" بعبارة أخرى!

طبعا لم يتحقق هذا الحلم القادم من بداية العصر الصناعي، وقد يقال انها قضيّة تاريخية بعيدة المدى، لكن لنتذكر ان 150 عاما مرت على نبوءة ماركس ولا اعتقد ان الرجل فكر بالحاجة لوقت يزيد على قرن ونصف، وعلى كل حال فكل توقع أو مقترح يبتعد عن المدى المنظور لجيل أو جيلين لن يكون له معنى أو قيمة فمن المستحيل وضع فرضيات لمستقبل غير منظور.

هناك قيم شاركت الرأسمالية الصناعية الاشتراكية في تمجيدها كقيمة العمل فهو مصدر كل ثروة وهو ابتداء ميزة تطورية للإنسان عن الحيوان، وكان فريدريك انجلز قد كتب كراسا تحت عنوان "دور العمل في تحول القرد إلى إنسان". لكن الثورة التكنولوجية ثم المعلوماتية قللت من شأن العمل وأطاحت بمنزلة الطبقة العاملة وفقد العاملون الكثير من المكتسبات والامتيازات التي تحققت على مدار قرن. والتنكر لقيمة العمل توسع الى التنكر لقيمة الانتاج المادّي فتراجعت مكانة الصناعة نفسها وارتباط الثروة بالإنتاج.

اطلقت العولمة والليبرالية الجديدة رؤية سوريالية لاقتصاد يسري عبر الشبكة العنكبوتية تنخفض فيه الثروة أو ترتفع بكبسة زرّ. وأطلق البعض عليه تسمية "اقتصاد الكازينو" ذلك ان شعار اطلاق حرية السوق الى ابعد مدى، ترك عمليا للتحايل والتشاطر واستغفال القانون والناس أن ينفخ الاقتصاد المالي بصورة مفتعلة لمصلحة فئة غشّاشة أودت بادّخارات وحقوق الناس بل بالاقتصاد كلّه كما حصل في الأزمة الأخيرة.

لن نعود الى قيم وأفكار عصر الثورة الصناعية ونضالات الطبقة العاملة التي والاها المثقفون بوصفها الرافعة التاريخية للتغيير، لكن على الأقل يجب إعادة الاعتبار لقيم أساسية ودائمة تربط الثروة بالعمل والإنتاج والمواطنة.

[email protected]