خسارة "فتح" الانتخابات البلدية

بعد محاولات فاشلة سابقة، أجريت الانتخابات البلدية في الضفة الغربية، بدون القدس، ولم تجر في غزة. وإجراء الانتخابات نجاح إداري للسلطة الفلسطينية، ولكنها سياسيا تدق ناقوس الخطر، خاصة بالنسبة لمستقبل حركة "فتح".اضافة اعلان
إذا ما عومل الأمر رقميا، قد يدّعي بعض أنصار "فتح" أنهم حققوا انتصارات في عشرات المواقع الانتخابية. ولكن، لا بد بداية من التمييز بين البُعد السياسي للانتخابات، وبين الأبعاد العائلية والمحلية. فمثلا، فازت 179 هيئة محلية بالتزكية، وهذا دليل على أنّ التنافس مفقود إلى حد كبير في القرى والبلدات الصغيرة، وتكونت قوائم كثيرة بتفاهم عائلي.
المدن الكبرى هي الشق السياسي الحقيقي من الانتخابات، وفي ظل غياب حركة "حماس" عن المشاركة، ورفضها للانتخابات في غزة، فإنّ معايير نجاح "فتح" كفصيل، وليس كسلطة وأجهزة إدارية، في الانتخابات، يمكن تلمسها من خلال ثلاثة معايير فشلت "فتح" فيها جميعها.
المعيار الأول: مدى وحدة الحركة، وقدرتها على فرض الالتزام التنظيمي. فخسارة الانتخابات التشريعية العام 2006 كان عاملها الأول والأهم هو عدم الوحدة. وتؤكد الانتخابات البلدية أنّ حالة الانقسام تصاعدت. وهو انقسام غير سياسي؛ أي ليس نابعا من خلافات سياسية لها علاقة بمواقف من المقاومة أو التسوية، ولكن نتاج حالة ترهل تنظيمي، وتنافس شخصي.
فشلت "فتح"، في كل المدن تقريبا، في طرح قائمة موحدة، فكانت هناك قائمة رسمية للفصيل، وقوائم أخرى يقودها أشخاص من الحركة، جرى طرد كثير منهم بدون أن يردعهم هذا، أو يأخذوه على محمل الجد. وبعض الحالات الفاقعة كانت في مدينة نابلس، التي كان الفشل في تكوين كتل موحدة فيها من أسباب تأجيل الانتخابات في الماضي، فطُرحت في المدينة قائمة يرأسها رئيس المجلس الثوري في الحركة، أي من يفترض أنّه شخصية اعتبارية مهمة للغاية، فيما فازت قائمة غسان الشكعة الذي فصلته "فتح" من عضويتها قبل أيام لأنه أصر على الترشح. وفي
رام الله، فإنّ الكتلة التي تمثل أطياف منظمة التحرير الفلسطينية، والمدعومة من قبل الرئيس محمود عباس، خسرت لصالح كتلة من أعضاء رافضين من "فتح". بكلمات أخرى، لم تنجح "فتح" في تكوين كتل موحدة.
المعيار الثاني: ما حققته قوائم "فتح" الرسمية. فقد أجريت الانتخابات وفق نظام يسمى "سانت لوجي"، وهو نوع من أنواع القوائم النسبية، يعني عمليا صعوبة فوز كتلة ما بشكل ساحق. ولكن "فتح" (الرسمية) لم تحقق المرتبة الأولى في أي من رام الله، ونابلس، وجنين، وبيت لحم، وبيت جالا، وطوباس، وغيرها، بينما فاز الرافضون المطرودون من الحركة. والملاحظ من تصريحات قيادات معروفة في داخل "فتح" أنّهم ينتقدون عملية اختيار الكتل، ويبدون تعاطفا مع المتمردين، ما يؤكد أنّ عدم الوحدة، وعدم الانضباط، والتصدّعات، عمودية منتشرة من أعلى الحركة إلى أدناها.
كان المعيار الثالث تحويل قضيتي القدس وغزة إلى قضايا رأي عام، وقضايا وطنية نضالية، ضمن تصور واضح وقوي يجمع الفئات الشعبية حوله، ويضع البلديات في خريطة المواجهة مع الاحتلال. ولكن هذا لا يحدث. فكانت الانتخابات غير مسيسة إلى حد كبير، وكانت تنافس شخصيات وأشخاص.
فشلت "فتح" في هذه الانتخابات؛ سواء بمعايير وحدتها الداخلية ومعايير فرض قرارها التنظيمي على أعضائها وأنصارها، أو بمعايير الفوز بالمقاعد في المدن الرئيسة، أو بتحويل القدس وبلديات غزة إلى قضية رأي عام، ولتوضيح أهمية البلديات في مواجهة الاحتلال.
يريد البعض القول إنّ "فتح انتصرت على فتح"، وأنّه لا بأس الآن، إذ سيعاد المنتصرون في الانتخابات للحركة، وتكون "فتح" هي المسيطرة. ولكن الحقيقة أن "فتح" خسرت على كل الصعد، ولم تنجح في تطوير التزام ذاتي بين أعضائها، أو أي آلية ردع تفرض الالتزام. وعودة المفصولين أو التفاهم معهم سيكون نكسة جديدة للحركة، تتضح نتائجها بتواصل تراجع دور "فتح" في الحركة الوطنية، وأنّها في انتخابات مقبلة، من أي نوع، تشارك فيها "حماس"، ستتلقى هزيمة جديدة سببها "فتح" ذاتها.

[email protected]