خطاب الكراهية وضبط المصطلح

يبدو أن القرن الواحد والعشرين سيكون قرن الكراهية بامتياز، فصراعات العالم لم تعد تقتصر على نزاع بين الدول على النفط والغاز، بل تتجه لتكون نزاعات بين شعوب الأمم ذاتها تتعلق بالدِّين أو المذهب أو العرق ونحوه، ولعل نتائج صناديق الديمقراطية في العالم مؤشرٌ مرعبٌ على توسع قاعدة المؤيدين لخطاب الكراهية العنصري بين مواطني دول العالم كافة. اضافة اعلان
المنظمات والمواثيق الدولية تنبهت مُبكراً لحظر ومحاولة تعريف خطاب الكراهية، ولكن على المستوى الوطني فإن المشرع ما يزال يجد صعوبة كبيرة في تعريف المصطلح وتحديد مجالاته، ومكْمنُ الصعوبة في ذلك؛ أن خطاب الكراهية من حيث كونه خطاباً يقع في مجال حرية الرأي والتعبير، ومن حيث أنه يحض على العنصرية وتهديد الأمن المجتمعي فإنه يشكل اعتداءً واستغلالاً لذات الحرية. معضلة تعريف خطاب الكراهية في الدول الديمقراطية تكمن في حرصها على أن لا يتم  بمناسبة ذلك تقييد حرية الرأي والتعبير، أما في الدول غير الديمقراطية أو دول شبه الديمقراطية فإن المعضلة هي الخشية من أن تستغل هذه الدول موضوع خطاب الكراهية كوسيلة لتكميم الأفواه والبطش بالمعارضين وبالنتيجة مصادرة حرية الرأي والتعبير.
كان العام 2016 في الأردن منعطفاً مهماً في الحياة السياسية والقانونية، حيث اغتيل الصحفي ناهض حتر بتحريض وخطاب كراهية علني، دفع الحكومة في اليوم الثاني من الاغتيال للإعلان عن عزمها إصدار قانون لمنع خطاب الكراهية. وقد نص مشروع القانون المعلن مؤخراً الصادر عن ديوان التشريع والرأي على تعريف خطاب الكراهية على النحو التالي: "كل قول أو فعل من شأنه إثارة الفتنة أو النعرات الدينية أو الطائفية أو العرقية أو الإقليمية أو التمييز بين الأفراد أو الجماعات".
وقد وقع التعريف في المحظور من حيث إنه جاء عامّاً فضفاضاً، أو لنقل بحاجة لمزيدٍ من الضبط، فليس كل نقد هو خطاب كراهية وإن استَفَز أو كان قاسياً، ذلك أن مناقشة سلوك جماعة أو حكومة أو حتى عشيرة أو فئة من الشعب قد يقع في المباح من القول، خاصة إن كان النقد بنية حسنة ويهدف للإصلاح وجاء في حدود السلوك والعمل المنقود ولم يكن نقداً شخصانياً، وهذه المعايير لصحة وقانونية النقد حددها القضاء الأردني في أكثر من قرار صدر عنه في هذا المجال.
كما أن التعريف قد أوحى أن خطاب الكراهية قد يتمثل في فعل واحد أو فعل اقترف لمرة واحدة، ويُعتقد أن فعل الكراهية هو فعل تراكمي أو حملة أو نمط سلوك وهو يحمل في طياته معنى "التأليب" أي الحشد والتحريض، وأعتقد أن كلمة" تأليب" في اللغة العربية تحمل هذا المعنى أكثر من غيرها، خصوصا أن الفعل الواحد أو المنفرد عالجه قانون العقوبات وقانون الجرائم الإلكترونية تحت باب "الذم والقدح والتحقير".
بقي أن نذكر بأن حرية الرأي والتعبير مقدسة، وقد نص الدستور الأردني عليها صراحة في المادة الخامسة عشرة منه، والتي تُمارس ضمن نطاق القانون، بمعنى ينظمها القانون، ولكن لا يجوز بحجة تنظيم الحرية، نسخها أو تعطيلها وهذه قاعدة دستورية سندا للمبادئ الدستورية العليا، وسنداً لصريح المادة العظيمة من الدستور (128) – التي قلما يُلتفت إليها – والتي تنص على أنه "لايجوز ان تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها".
ولما تقدم ومع أن تشريع قانون لمنع خطاب الكراهية جهد حضاري ومطلوب، ولكن يجب أن يكون القانون أو نص تجريم خطاب الكراهية واضحاً ومحدداً قدر الإمكان والأهم أن يكون في رؤيته وفلسفته التشريعية صادراً عن هدفٍ  أساسه حماية حرية التعبير والرأي وليس مصادرتهما، كما يجب أن يتذكر المسؤول السياسي أو الخادم العام أن نقده ليس فقط مباحا بل هو واجبٌ على المواطن ويقع ضمن صلاحيات وحقوق المواطن الفاعل الذي يشارك بالحكم عن طريق انتخاب النائب ومحاسبته وانتقاد المسؤول ومراقبته.
وأخيراً فإن التوجس المنتشر في قطاعات الشعب والمثقفين من التشريعات المقترحة من جهة الحكومة تشير إلى أزمة ثقة حقيقية بين الحكومة والشعب لا يشفع لها إصدار تشريع وإن حسنت النية من وراء اقتراحه، بل تستوجب جسر الهوة بينهما لمزيد من الشفافية والتواصل المستمر باعتبار ذلك واجبا على الحكومة وليس منة منها فإن أول خطاب يجب إنهاؤه هو خطاب الكراهية بين الشعب والحكومة.