خطاب لصفحة جديدة من التاريخ

لم يسبق ان انتظر العالم الاسلامي موحدا وبكل هذا التحفز والاهتمام خطابا كما انتظر خطاب أوباما من القاهرة، وعلى كل حال فهو اول خطاب من نوعه يوجه حصريا للمسلمين في العالم، ويُلقى من عاصمة عربية وإسلامية عريقة هي ايضا مقرّ أعرق مؤسسة دينية وتعليمية في تاريخ الإسلام أي الأزهر الشريف. ولقد أحاطت بالخطاب على الفور أجواء الحدث التاريخي، ولم يكن مضمون الخطاب بأقلّ من التوقعات خصوصا في مقدمته عن الاسلام وعلاقة أميركا بالمسلمين فهو يطوي حقبة ويؤرخ لأخرى جديدة.

اضافة اعلان

صعد أوباما المنصّة وقد بدا سعيدا ومشرقا قويا ومقنعا ونال ايضا التشجيع بالتصفيق له فقرة بعد أخرى، وقدم وقائع ومعطيات مشرّفة من تاريخ الاسلام وإسهامه في الحضارة الإنسانية وقدم من سيرة حياته الشخصية ما يدعّم مصداقيته, وعند هذا الحدّ أدّى الخطاب الغرض بكل كفاءة.

إنه أول خطاب من نوعه لزعيم أميركي او حتّى غربي ويؤسس لتاريخ جديد يطوي الحقبة البغيضة للعداء على اساس ديني وقومي، ويسحب البساط من تحت أقدام التطرف الديني والتعصب على جانبي المواجهة، ويستجيب لمصلحة أتباع الأديان كافّة وهم يتعايشون ويتداخلون في كل مكان بالتسامح والحرية وعدم التمييز, وأعلن أوباما عن التزامه بالنضال ضدّ الصورة النمطية السلبية عن الإسلام.

بالانتقال الى المحاور التالية في الخطاب فقد رتبها أوباما كالتالي: أولا التطرف والعنف وتحت هذا العنوان عرّج على افغانستان وباكستان والعراق، ثم الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، ثم الاسلحة النووية وإيران، ثم الديمقراطية، ثم حرية الأديان، ثم المرأة، ثم التنمية الاقتصادية والفرص للتقدم.

وهنا في الحديث عن القضايا الساخنة كان الخطاب أضعف تأثيرا بسبب الحذر المفهوم في الموقف، وقد برر أوباما التدخل في افغانستان, وبالمقابل اعتبر حرب العراق "اختيارية" في إدانة ضمنية لها، لكن متجنبا الحديث عن الماضي وفضل الحديث عن المستقبل وتعهده بالانسحاب التام وضمان وحدة العراق واستقراره.

وفي الصراع الفلسطيني الاسرائيلي لم يكن أوباما متوازنا في حديثه عن معاناة وعذابات اليهود من جهة والفلسطينيين من جهة أخرى، وهذا أضعف بعض الشيء خطابه السابق. ولعله اختار الحديث بقوّة عن المحرقة وتضحية ستة ملايين يهودي والالتزام والصداقة التاريخية غير القابلة للانفصام مع اسرائيل ليتمكن بعدها من الحديث عن معاناة الفلسطينيين وحقهم في دولة مستقلة, مؤكدا حق "فلسطين في الوجود مثل حق اسرائيل في الوجود". وأكّد عدم شرعية الاستمرار في الاستيطان مستخدما كل مرّة تعبير "يجب" على اسرائيل كذا وكذا، ولم يغفل الحديث عن حماس في عدّة عبارات معترفا بتمثيلها لجزء من الفلسطينيين وداعيا اياها لنبذ العنف، وكما كان متوقعا لم يقدم خطته للحل، لكنه لم يترك مجالا للشك في ما يتوجب عمله للتقدم بالسلام معلنا التزامه الشخصي بمتابعه هذا الجهد.

سوف يشكك كثيرون في الخطاب، لكن الروح الجديدة للتغيير هي التي حملت الشاب الأسود التقدمي الى رأس الحكم في أميركا تعبيرا عن حاجة موضوعية ملحة للتغيير، وهي عملية لا تحدث بين يوم وليلة لكنها بدأت وخطاب القاهرة محطّة رمزية لها.

[email protected]