خطة الحكومة الاقتصادية: سياسات إستراتيجية وليست إجرائية (1)

د. رعد محمود التـل بعد تأخر الحكومة بطرح "سياسات اقتصادية" واضحة لمواجهة تبعات المشكلات الاقتصادية الحالية، واكتفائها خلال الأشهر الماضية بوضع "أوامر إجرائية" أكثر منها سياسات إستراتيجية، كان التوجيه الملكي الأسبوع الماضي للحكومة ضروريا جداً لإعداد خطة وبرنامج اقتصادي يشكل رؤية الحكومة الاقتصادية، لمواجه التحديات الاقتصاديّة الحالية وتقليل آثار جائحة كورونا على المواطنين. نقول سياسات إستراتيجية وليست إجرائية وذلك للتفريق بين الخطط التي تبنى على قراءة عميقة للاقتصاد الأردني والقطاعات التي تساهم في زيادة معدلات النمو وإنتاجيته ونسب التشغيل، وبين إجراءات لحظية كردة فعل لحدث اقتصادي! فخلال العقدين الأخيرين يظهر التباين الكبير في معدلات النمو الاقتصادي الأردني، فمن العام 2000 إلى 2010 بلغ متوسط معدل النمو الاقتصادي حوالي 6.5 % بينما أظهر العقد الأخير من2011 إلى 2020 انخفاضا ملحوظا بمتوسط معدل النمو ليقارب 2.4 %. لو نظرنا إلى مكونين رئيسيين في الاقتصاد الأردني وهما الطلب الكلي والاستثمار الكلي. سنجد أن الفترة الأولى والتي شهدت نسب نمو مرتفعة كان الاستثمار المساهم الأكبر فيها من جانب الطلب فقد ساهم بما نسبته 35 % من معدل النمو الاقتصادي! لكن ما حدث خلال الفترة 2010 إلى 2020 أن تراجعت حصة الاستثمار من مساهمتها في معدل النمو الاقتصادي إلى 2 % فقط. وهذا مؤشر سلبي يجب معالجته فوراً. هذا التراجع في الاستثمار الكلي دفع الاقتصاد الأردني للاعتماد بشكل أساسي خلال العقد الأخير على الإنفاق الاستهلاكي الخاص والعام لتحريك عجلة النمو الاقتصادي بالإضافة إلى الاعتماد الجزئي على قطاع التجارة الخارجية. فلو أخذنا مثالا قطاع الصناعات التحويلية الذي تأثر في جانب العرض كاستثمار، تشكل أهميته النسبية ومساهمته في الناتج المحلي الإجمالي بما يقارب 21 %. لكن معدل نمو هذا القطاع في السنوات العشر الأخيرة لا يتجاوز 1.8 % مقابل حوالي 10 % في العقد الأول. يتضح من ذلك أن مصادر النمو قد تحولت من الفترة 2010 إلى 2020 للاعتماد على قطاعات غير مولدة لفرص العمل مثل قطاع العقار والانشاءات والقطاع المالي ولم يساهموا في التشغيل بالاقتصاد بأكثر من %2.8. على العكس من القطاعات الأخرى كالقطاع الصناعي الذي يساهم بأكثر من 10 % أو القطاع التجاري الذي بلغت مساهمته في التشغيل ما يقارب %16. بالإضافة للمساهم الأكبر في التشغيل وهو القطاع العام. عند وضع أي خطة "تعاف اقتصادي" يجب التفكير أولا بنوعية النمو الاقتصادي ومكوناته والاعتماد على قطاعات لها إنتاجية عالية ومولدة لفرص العمل بنفس الوقت، لكن للأسف ماحدث خلال العقد الأخير كان عكس ذلك وهو ما يفسر الارتفاع الكبير بمعدلات البطالة والتي قاربت 25 %.اضافة اعلان