خطورة منهجية الدين الجديدة

سلامة الدرعاوي

الإيجابية الوحيدة لتغيير منهجية احتساب المديونية والتي تستثني ديون الضمان والمؤسسات الرسمية الاخرى للخزينة تنحصر في ان تكون لدى الحكومة استراتيجية واضحة الاهداف لمعالجة المديونية من خلال البدء باقتراض جديد في المرحلة المقبلة بأسعار فائدة متدنية لإحلالها بدلا من قروض سابقة ذات فوائد عالية، وذلك بعد ان تكون نسبة الدين انخفضت إلى حدود الـ70بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.اضافة اعلان
لكن لغاية الآن لا يوجد لدى الحكومة مثل هذه الاستراتيجية، والمشكلة الاخرى التي تواجه مسألة استبدال الدين بآخر هو ان غالبية الديون الرسمية هي ديون تجارية ذات فائدة عالية، ولذلك فإنه من غير مصلحة المقرضين استبدالها بديون ذات فائدة منخفضة، إلا إذا كان التوجه الرسمي هو الحصول على قروض من دول مانحة وصديقة مدعومة من حيث الفائدة، وهذه ايضا فيها إشكالية أخرى تتلخص في ان المانحين لا يقرضون الدول من أجل سداد قروض مالية اخرى، فهذا لم ولن يتم حدوثه مع الأردن او غيره من الدول المدينة في العالم الثالث.
لكن تبقى منهجية احتساب الدين الجديدة التي تستثني ديون الضمان من معادلة المديونية الإجمالية فيها من الخطورة المستقبلية من عدة جوانب تستحق التوقف عندها.
استثناء ديون الضمان يعني ان الحكومة تستطيع ان تقترض من الضمان ما تشاء حسب السندات التي يطرحها البنك المركزي دون ان يظهر ذلك على عجز الموازنة بالأرقام المطلقة او حتى النسبية منها، فإذا كان العجز المُقدر بمليار دينار والفعلي ملياري دينار على سبيل المثال، فإن الحكومة تقترض مليارا من الضمان بجانب الاقتراض الآخر لسداد العجز الفعلي، وتظهر النتيجة المحاسبية ان العجز لم يتجاوز المقدر وهو مليار فقط، وهذا أمر فيه مغالطة كبيرة ومخالفة للحقيقة التي تقول ان العجز الفعلي ارتفع مليارا إضافيا عن المقدر، وهذا الامر سيشجع الحكومات في المستقبل على اتباع هذا النهج من أجل تجميل صورتها وادائها امام المانحين ومؤسسات التمويل الدولية والعالمية.
الخطورة الاخرى تكمن في ان هذه المنهجية تساعد الحكومات على زيادة الاقتراض الداخلي وخاصة من الضمان وهو أمر يتجاوز الهدف الأساسي الذي انشئ بموجبه صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي، إقراض الحكومة والمشاركة بالسندات هو هدف من عشرات الاهداف للصندوق، وليس الهدف الرئيس له، فالأساس ان تكون هناك استثمارات رأسمالية للصندوق تساهم في تحريك عجلة الاقتصاد ومحاربة الفقر والبطالة وتحقيق النمو المستهدف من خلال اعمال التنمية المستدامة المختلفة، أما ان تنحصر اعماله الاستثمارية فقط في عمليات المشاركة بالسندات فهذا فيه تغول على أهداف الصندوق أساسا.
كما قلنا في مقالات سابقة، ان الخزينة بحاجة إلى تمويل في المرحلة المقبلة لمواجهة تحديات جسيمة ما يزال الكثير منها مجهولا خاصة من تطورات جائحة كورونا، وهذا الأمر يتطلب من الحكومة استراتيجية واضحة لمعالجة المديونية ليست كنسب من الناتج المحلي الإجمالي، وإنما أيضا كأرقام مطلقة، فمن حق المواطن دافع الضرائب ان يرى سياسات اقتصادية تخفف عن كاهله وكاهل الاقتصاد الوطني، فصفقة نادي باريس المشؤومة خفضت الدين الخارجي إلى ما يقارب الـ35 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، لكن بعد ستة أشهر بدأ مسلسل الدين الداخلي بالارتفاع الجنوني، وهذا يثبت ان الصفقة كانت بمعزل عن رغبة حكومية او خطة رسمية لتخفيض الدين العام الذي استبشر الاردنيون به خيرا، لذلك لا محال اليوم لتزيين مديونية الحكومة صوريا امام المانحين طالما بقيت الحكومة تركض وراء الاقتراض الداخلي والخارجي على هذا النحو دون وجود إستراتيجية دين شاملة عابرة للحكومات.