خلل الخلايا العصبية يسبب مشاكل في التوازن وصعوبة في الحركة

خلل الخلايا العصبية يسبب مشاكل في التوازن وصعوبة في الحركة
خلل الخلايا العصبية يسبب مشاكل في التوازن وصعوبة في الحركة

 

عمان- مرض (الباركنسون) عبارة عن خلل يصيب الخلايا العصبيّة (النيورونات) الموجودة في الدماغ، والمسؤولة عن التحكم بحركة عضلات الجسم، ولذا فإنّ المصابين بهذا المرض غالباً ما يعانون من الرجفان وتصلب العضلات وصعوبة في المشي ومشاكل في التوازن والسيطرة على الحركة.

اضافة اعلان

ويصيب هذا المرض بشكل عام الأشخاص الذين تجاوزوا الخمسين من العمر، إلاّ أنّه وفي بعض الأحيان قد يصيب بعص الأشخاص في عمر أقل من الخمسين.

ويعد الباركنسون من الأمراض المتطورة؛ بمعنى أن أعراض وعلامات المرض تتطور إلى الأسوأ مع مرور الزمن، ومع أنّ هذا المرض يؤدي في نهاية المطاف إلى الإعاقة، إلاّ أنّ معظم المصابين به يكونون قادرين على العطاء لأعوام عديدة بعد تشخيصه عندهم قبل حدوث هذه الإعاقة.

وعلى النقيض من الأمراض العصبيّة الأخرى، فإنّ الباركنسون مرض يمكن علاجه، ولعدة عقود خلت كان عقار الليفو دوبا العقار الرئيسي المستخدم في علاج هذا المرض.

وحمل المرض اسم أوّل من وصفه وهو الطبيب البريطاني جيمس باركنسون في مقال تمّ نشره العام 1871م.

أعراض المرض

قد تكون أولى علامات الإصابة بمرض الباركنسون بسيطة؛ تتمثل في عدم القدرة على مرجحة الذراع عند المشي أو تأتأة بسيطة في الكلام أو أرق ومشاكل في النوم، بالإضافة إلى الشعور بالكآبة، كما قد يلاحظ بعض مرضى الباركنسون في بدايات المرض أنّهم يأخذون وقتاً أطول في الأكل أو الاستحمام أو الحلاقة أو في عمل من الأعمال اليومية الأخرى.

ويمكن تلخيص علامات وأعراض المرض بما يلي:

- الرجفان: تبدأ علامات الرجفان في البداية برجفة في أحد أصابع اليد لا تلبث أن تمتد إلى اليد وكامل الذراع تدريجيّاً، ومن ثمّ فمن الممكن أن تنتقل الرجفة إلى الرأس والشفتين والأقدام، ويمكن أن تحدث هذه الأعراض في أحد جانبي جسم المريض أو كليهما، وتكون هذه الأعراض أكثر وضوحاً عندما يكون المريض واقعاً تحت تأثير نفسيّ أو عصبيّ.

- بطء الحركة: مع مرور الوقت، يسبب مرض الباركنسون بطئا وصعوبة في الحركة، حيث تصبح مشية المريض غير متوازنة، كما وتتجمّد بعض العضلات الرئيسيّة عند المريض ويصبح من الصعوبة بمكان أن يستعيد المريض مشيته الطبيعيّة في يوم من الأيّام، وقد يؤثر ذلك على حالته النفسيّة لأنّ القيام بأبسط الأمور التي يقوم بها الشخص الطبيعي يصبح أمراً معقداً عند مريض الباركنسون ويحتاج إلى وقت أطول، وقد يؤثر المرض على العضلات الداخليّة للمريض مثل عضلات الجهاز الهضمي ويسبب لها بطء الحركة، ممّا ينتج عنه صعوبة في البلع والهضم والطرح عند المريض، ولذا فمن الملاحظ أنّ مرضى الباركنسون غالباً ما يعانون من الإمساك الشديد.

- تصلب العضلات وتشنجها بخاصة عضلات الأطراف والرقبة، وأحياناً يمكن أن يكون هذا التصلب شديداً، حيث يقلل من إمكانيّة الحركة عند المريض.

- فقدان الجسم قدرته على القيام ببعض الحركات التلقائيّة؛ فمريض الباركينسون على سبيل المثال يفقد القدرة على الابتسام والرمش بالعينين وأرجحة الذراعين أثناء المشي، والتي تعتبر من الحركات التي يقوم بها الإنسان الطبيعي بشكل تلقائي لاإرادي، وهذا الذي يسبب المظهر المتصنع الذي يظهر عليه عديد من مرضى الباركنسون.

- صعوبة التكلم: يعاني عديد من مرضى الباركنسون من مشاكل عند التكلم وتتغيّر أصواتهم فتصبح ذات نغمة واحدة وناعمة جداً، وقد تكون نعومة الصّوت مشكلة بشكل خاص عند الطاعنين في العمر، لأنّ هؤلاء تترافق عندهم نعومة الصّوت وانخفاضه مع ضعف في السمع لتصبح بالتالي عندهم مشكلة في استقبال المعلومة وإرسالها من الوسط المحيط في آنٍ واحد.

- صعوبة في البلع: في المراحل المتأخرة من المرض، يصاب المريض بصعوبة في البلع، إلاّ أنّ ذلك لا يمنع المريض من تناول طعامه بنفسه إلاّ في بعض الحالات الخاصة.

- فقدان الذاكرة: تصاب نسبة قليلة جداّ من مرضى الباركنسون بفقدان الذاكرة، ما يتسبب بمشاكل في التفكير والتذكر في مراحل المرض المتقدمة.

أسباب المرض

منذ مائتي عام؛ أي منذ اكتشاف مرض الباركنسون، والباحثون يحاولون معرفة ماهيّة هذا المرض المعقد وأسبابه، والآن وبعد قرنين من الزمان توصل العلماء إلى أنّ سبب المرض يكمن في أنّ بعض الخلايا العصبيّة في الدماغ الموجودة في منطقة المادة السوداء من الدماغ يصيبها العطب والخراب، ذلك أن هذه الخلايا في الوضع الطبيعي تنتج أحد المستقبلات العصبيّة الذي يسمّى الدوبامين والمستقبلات العصبيّة (هي عبارة عن مواد كيميائيّة ذات تراكيب مختلفة تعمل على نقل الإشارات العصبيّة بين الخلايا العصبيّة المختلفة بعضها بعضا، وبين الخلايا العصبيّة وبين خلايا الجسم المختلفة)، وتنتج عنها الإشارات العصبيّة التي تنقل إلى الخلايا العضليّة انقباض وانبساط العضلات بطريقة منتظمّة ممّا ينتج عنه حركة الإنسان.

وثبت علميّاً أنّ جميع كبار العمر يفقدون جزءاً من الخلايا العصبيّة الدماغيّة المنتجة للدوبامين مع تقدم العمر، إلاّ أنّ المصابين بمرض الباركنسون يفقدون نصف أو حتى أكثر من نصف هذه الخلايا مع تقدم العمر.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ما سبب تلف الخلايا العصبيّة الدماغيّة المنتجة للدوبامين عند أشخاص بطريقة أسرع من غيرهم؟

يرى العلماء أنّ الجواب على هذا السؤال يكمن في مجموعة عوامل وراثيّة وبيئيّة، بالإضافة إلى أنّ بعض الأدويّة والعقاقير تؤدي إلى ظهور علامات وأعراض مرض الباركنسون، وفيما يلي تفصيل لكل من هذه العوامل:

- العوامل الوراثيّة: يرى العلماء بأن للجينات دورا أساسيا ومهما في أحد أمراض الباركنسون غير الشائعة التي تصيب صغار العمر، بالإضافة إلى دورها الذي لا يمكن إنكاره في إصابة كبار العمر، هذا ومن المعروف أنّ احتماليّة إصابة الأشخاص بمرض الباركنسون ممن لعائلاتهم تاريخ وراثي لهذا المرض أكبر من غيرهم، وتزداد هذه الاحتماليّة كلّما اقتربت درجة القربى من الشخص المريض.

- العوامل البيئية: لوحظ أنّ الأشخاص الأكثر تعرضاً لمبيدات الأعشاب ومبيدات الحشرات أكثر عرضة للإصابة بمرض الباركنسون من الأشخاص الذين لا يتعرضون لمثل هذه المبيدات، ولكن وللأسف لم يستطع العلماء حتى الآن التوّصل إلى نوعيّة المبيدات التي تزيد من احتماليّة الإصابة بالمرض، ومن جهة أخرى وجد العلماء أنّ جينات الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بمرض الباركنسون بسبب المبيدات تختلف عن جينات غيرهم من الأشخاص، وهذا الجين تحديداً هو الجين (CYP2D6)، الذي يتنج إنزيماً يعمل على تحطيم سموم المبيدات ويجعلها أقل سميّة، لكن الأمر في الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بمرض الباركنسون بسبب المبيدات أن هذا الأنزيم في جسمهم يكون أقل فعالية من مثيله الموجود في الأشخاص الأقل عرضة للإصابة بالمرض بسبب المببيدات.

- الأدويّة والسموم: ثبت طبيّاً وجود عدد من الأدويّة التي من الممكن أن تسبب أعراض مرض الباركنسون ونذكر منها الأدويّة التاليّة:

عقار الهالوبيرادول (هالدول)® وهو عقار يوصف لبعض الاضطرابات النفسيّة.

عقار الكلوربرومازين (ثورازين)® وهو عقار يوصف لبعض الاضطرابات النفسيّة.

عقار الميتوكلوبرامايد (ريجلان)® وهو عقار يوصف لعلاج المعدة.

عقار الفالبروات (ديباكون) وهو عقار يستخدم للصرع.

مضاعفات المرض

تشتمل المضاعفات التي قد تصيب مريض الباركنسون على ما يلي:

- الاكتئاب النفسي: نصف الذين يصابون بالمرض تقريباً يصابون فيما بعد بالاكتئاب النفسي، وفي بعض الحالات قد يصاب بعض المكتئبين حتى قبل تشخيص المرض عندهم، ومع عدم قدرة المريض على القيام بالواجبات اليوميّة التي يقوم بها الشخص الطبيعي يزداد الإحباط والضغط النفسي الشديد، إلا أن العلماء وجدوا أنّ الاكتئاب الذي يصيب مريض الباركنسون غير مرتبط بهذا الأمر ولكنه مرتبط بالتغيرات التي تحدث لدماغ المريض بسبب المرض نفسه.

- الخرف: ومن المضاعفات الأخرى إصابة بعض مرضى الباركنسون بالخرف في نهاية الأمر، وهي حالة تتضمن فقدان الذاكرة وتغيرات عقليّة يصبح الشخص نتيجتها غير قادر على الحكم بشكل منطقي على الأمور بالإضافة إلى تغيرات تحدث في شخصيته.

- مشاكل في التبوّل: قد يسبب المرض عند بعض الأشخاص سلس البول وعند أشخاص آخرين انحباسه، وتستخدم عديد من العقارات الطبيّة في علاج هذه المضاعفات علاجاً ناجعاً.

- الإمساك: يصاب عديد من المرضى بالإمساك، نتيجة لضعف عضلات الجهاز الهضمي لديهم أو كأثر جانبي لبعض الأدوية التي يتناولها المريض.

- الأرق ومشاكل النوم: يعاني مرضى الباركنسون من مشاكل في الخلود إلى النّوم، وإذا ناموا فإنّهم يستيقظون عدة مرّات خلال الليل.

- العجز الجنسي: بعض المصابين تقل عندهم الرّغبة الجنسيّة نتيجة لعوامل نفسيّة وفيسيولوجيّة في آنٍ واحد.

العلاج

يستجيب مرضى الباركنسون في بداية الأمر للعلاج بطريقة واضحة وسريعة، ولكن ومع الزمن تقل استجابة جسم المريض للعلاج، ومع أنّ العلاج يظل فعّالاً وقادراً على علاج عديد من أعراض المرض، إلاّ أنّ الأطباء ينصحون المريض عادة بتغيير نظام حياته والاعتماد على العلاج الفيزيائي وتناول الأطعمة الصحيّة مع ممارسة الرياضة.

ويساعد العلاج الفيزيائي المريض على التأقلم مع المرض بشكل جيد جداً، وهو مطلوب في المراحل المبكرة والمراحل المتأخرة من المرض؛ حيث يزيد العلاج الفيزيائي من قوة عضلات المريض وبالتالي يحسن من قدرته على الحركة والمشي.

الأدوية المستخدمة في علاج مرض الباركنسون

تساعد الأدويّة مريض الباركنسون على المشي والحركة ومعالجة الرجفة عن طريق تزويد الدماغ بالدوبامين الذي يحتاجه، وعلى كل الأحوال، فإنّ الإشراف الطبي ضروري ومهم في جميع مراحل المرض لعمل جدول علاجي للمريض لتحقيق أفضل النتائج.

ومن الأدوية والعقارات المستخدمة في علاج المرض عقار الليفودوبا؛ إذ منذ اكتشاف هذا العقار العام 1960م وهو يعتبر العقار الرئيسي لعلاج مرض الباركنسون، والليفودوبا أحد الأدويّة ذات المنشأ الطبيعي الذي يمكن استخلاصه من النبات والحيوان، وفي داخل جسم الإنسان يتحوّل الليفودوبا إلى الدوبامين الذي يحتاجه دماغ مريض الباركينسون ممّا له أكبر الأثر في مجابهة أعراض مرض الباركنسون، ولكن مع مرور الزّمن قد يصبح الليفودوبا أقل فعاليّة، ولذا تحتاج جرعاته إلى تعديل مع الزمن من قبل الطبيب.

هذا وتستخدم عديد من الأدويّة في علاج مرض الباركنسون، ولكن وصفها واستخدامها يجب أن لا يتم إلاّ تحت إشراف طبيب متخصص.