داعش: الهزيمة الجغرافية والتمدد الفكري

تقلصت المساحة الجغرافية التي يسيطر عليها داعش الى اقل من 1 % من الجغرافيا التي سيطر عليها العام 2014، واصبح التنظيم محاصرا في آخر جيوبه بشرق سورية، وهذه الجيوب تحت ضغط عمليات عسكرية حاليا بدعم من التحالف الدولي ضد الإرهاب وخاصة في منطقة (بلدة الباغوز) على شرق نهر الفرات، واصبح المجتمع الدولي بانتظار الاعلان عن الانتهاء من دولة داعش في سورية والعراق برئاسة ابو بكر البغدادي الذي ما يزال مجهول المصير حتى اللحظة.اضافة اعلان
حققت العمليات العسكرية هدفها بتحطيم كيان التنظيم الذي اثار الرعب في المنطقة العربية واجزاء كبيرة من العالم، في مشروع نظام شبه دولة ثيوقراطية قائمة على فلسفة الاقتباس الجزئي المبتور لبعض من مبادئ الدين الاسلامي، تم توظيفها لعمليات الاستقطاب والتجنيد والتدريب والقتال والتوسع جغرافيا، ومكنت التنظيم من حصد المكاسب ابتداء من الاستيلاء على اموال البنوك ومدخرات المواطنين شمال العراق، ثم امتدت الى شرق سورية، وانتهت بعمليات سبي النساء والفتيات وزواج الجهاد والاتجار بالنساء بأسواق النخاسة. كل هذا كان يحدث في قلب العالم العربي وامام المجتمع الدولي، تحت غطاء فتاوى باطلة تم توظيفها للقرصنة والزندقة بشكل همجي في القرن الواحد والعشرين.
في الايام القادمة قد يعلن في اي لحظة عن انتهاء كيان ووجود داعش من خريطة المنطقة ، الا ان العالم العربي والاسلامي ما يزال مهدداً وزاخراً بالعناصر والأشخاص ممن يؤمنون بالداعشية ومبادئها وسلوكياتها سواء كان هؤلاء العناصر من العائدين من عناصر التنظيم الارهابي الى اوطانهم، او من المجندين بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي في بلادهم ، او المضطهدين من قبل انظمة الحكم ويجدون في هذا الفكر مخرجاً لهم من الحال التي يعيشونها، ويقومون بتنفيذ عمليات الارهاب في مناطق شتى من العالم تتخذ من عمليات داعش نموذجاً يحتذى.
استمرار هذا الفكر الذي يغذيه استمرار سوء أوضاع المنطقة يدق ناقوس الخطر مرة أخرى امام النظام الدولي. ان فكر الداعشية حقق اكبر انتشار من الناحية الفكرية، وهناك آلاف من الأجيال الناشئة من جنسيات مختلفة اصبحوا يؤمنون بهذا الفكر، ولكنهم لم يأخذوا فرصتهم في تطبيقه حتى اليوم لأسباب متعددة، وينتظرون اللحظة التي تمكنهم من التطبيق والسيطرة بالقوة على المجتمعات.
تؤكد الدراسات والمتابعات المختلفة من الجهات المعنية والمختصة ان مستقبل التنظيم والداعشية يعتمدان على مواجهة عدة امور اهمها هجرات اعداد من عناصر التنظيم الى أماكن جديدة اكثر أمنا وخاصة في مناطق شمال ووسط افريقيا، وجنوب شرق آسيا، وشمال وغرب اوروبا، وكذلك العائدون من التنظيم وخاصة الى دول الشرق الأوسط وايران وافغانستان وباكستان وغيرها، بالاضافة الى استمرار اختراق التنظيم لوسائل التواصل ونشر فكره على هذه المواقع واتاحة الفرصة للاطلاع والمطالعة لهذا الفكر المتطرف واغواء الاجيال الناشئة بالانضمام اليه والايمان بمبادئه.
واخيرا فان الدول الفاشلة او التي في طريقها الى الفشل وخاصة في العالم العربي وغير القادرة علىإصلاح التعليم الأولي والجامعي، ودحض الفكر المتطرف بالفكر والاقناع، اضافة الى عدم قدرة هذه الدول على تحقيق العدالة النسبية بين مواطنيها، وعدم العدالة بين دول الاقليم، والظلم السياسي الواقع على فئات اجتماعية وانسانية، اضافة الى الفساد الذي دمر الإدارات العامة في هذه الدول، كل ذلك وغيره من عوامل ما تزال تشكل ارضية خصبة تدفع باتجاه مزيد من التطرف للمتضررين من هذه الفئات تدفعهم الى البحث عن مخارج ومظلات جديدة للعيش فيها كما كان حال بدايات تنظيم داعش.