"داعش" والنفط: الصورة القاتمة

ترجمة: ينال أبو زينة

في الوقت الراهن، تبدو أسعار النفط وكأنها تخضع لضغط عدد من العوامل: استراتيجيات حصة السوق السعودية، ومبيعات إيران الهادئة من المخزونات العائمة، ومستويات المخزونات التاريخية المرتفعة في الولايات المتحدة والصين، والتراكم الضخم جداً لآبار النفط الضيقة وغير المكتملة في الولايات المتحدة.
 ولكن، على المدى الطويل، يمكن للأوضاع على أرض الواقع أن تجعل بعض هذا الفائض ضرورياً في ضوء وجود تنظيم "داعش" الارهابي، في ضوء أن المجموعة الإرهابية تبرز كخطر متزايد بالنسبة لقدرة إنتاج النفط الإقليمية.
تقول أخبار الأسبوع أن داعش حققت انتصاراً كبيراً في الرمادي العراقية، ما أجبر العديد من المنافسين الاقليميين على تغيير حساباتهم بطرق مادية.
ويعمل النظام السوري الوحشي في الوقت الراهن على تخفيض نفقاته وتركيزها في المراكز السكانية، لضمان أفضل حماية لقواعده ومعاقله العلوية.
ويقول بعض المعلقين أن التحول في النهج سيقود إلى تقسيم الدولة فعلياً.
 ويتطلب الأمر من حزب الله، المدعوم إيرانياً، أن يتبع خيارات مماثلة، وذلك نظراً لأعداد قواته الصغيرة والمؤشرات الأخيرة التي تقول أن الدفاع عن موطنهم في جبال لبنان هو الأولوية.
وفي الوقت نفسه، تجد العربية السعودية أن منع ذئاب داعش المتوحشة من القيام بهجمات داخل أراضيها قد أمسى أصعب مما ينبغي.
وقد أثبت هجوم داعش الشنيع على أحد المساجد في المنطقة الشرقية أن المجموعة يمكنها أن تعمل في تلك المنطقة التي تعد موطن معظم البنى التحتية النفطية في المملكة.
تعتبر قدرة داعش على الاحتفاظ بمناطقها أمراً حاسماً لبقائها، لكن مفهومها الأصلي للاستيلاء على أكبر قدر ممكن من حقول النفط لتمويل "دولتها" المستقبلية لا يحقق النجاحات؛ حيث تجد المجموعة الإرهابية أن تحديات الإدارة التي تعانيها في تشغيل مرافق النفط هذه تتعدى قدرتها التقنية.
وعندما بدأت داعش حملتها -في حزيران (يونيو) العام 2014- تشكيل خلافتها المزعومة مستندةً إلى الاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي في شمال العراق وشرق سورية، تركزت إحدى أهم مصالحها الكبرى في إحكام السيطرة على حقول النفط المنتجة، والاستفادة من عمليات تهريب النفط خارج العراق وسورية بغية أن تساعد في تمويل تكاليف التشغيل العالية التي تتكلفها.
وبدلاً من ذلك، تعي المجموعة المتطرفة تدريجياً أنها لا تستطيع إدامة إنتاج النفط، وذلك نظراً لكونها تفتقر إلى التقنية المطلوبة من جهة، ولأن مقاتليها لا يستطيعون درء هجمات إعادة السيطرة على المنشآت الرئيسية من جهة أخرى.
وبواقع الحال، بقي عدد ممن يتمتعون بالخبرة التقنية القوية في المناطق التي تسيطر عليها داعش، وهي تبذل الجهود لإرغام هؤلاء المهرة على البقاء إما عبر تهديد حياتهم وحياة أسرهم، أو عبر الحيازة على أصول الفارين من المهندسين على أمل المطالبة بعودتهم، ولكنها سبل أثبتت عدم فعاليتها.
تعتمد داعش أساساً على المهندسين المبتدئين التي كانت إما ضغطت عليهم كي يبقوا في وظائفهم أو عينتهم بنفسها. ومع ذلك، يشكل أي شيء ينطوي على إصلاحات جادة أو على إجراءات أكثر تعقيداً، مثل ضخ الماء في حقول إنتاج النفط السورية الناضجة، تحدياً كبيراً.
 وتبعاً لأحد المنعطفات في الصيف الماضي، كانت داعش تسيطر على نصف دزينة من حقول النفط السورية (بما فيها الفرات، والعمر، ودير الزور) والتي كانت تتمتع مجتمعة بقدرة 114,000 برميل يومياً قبل الحرب. وفي الوقت الراهن، تتراوح القدرة الإنتاجية لداعش في سورية بالكاد ما بين 15 ألف و30 ألف برميل نفط يومياً.
واستطاعت داعش أيضاً أن تستولي على 6 حقول نفط في شمال العراق منذ الصيف الراحل، بما فيها حقل عجيل وحقل حمرين، وعين زالة وصفية وبطمة والقيارة. وقد أمست الحقول، التي كانت تملك قدرة إنتاج 175 ألف برميل يومياً، تنتج الآن أقل من 10 آلاف برميل، وذلك بهبوط حاد من مستوى الـ37 ألف برميل، الذي كانت تنتجه عندما استولت عليها داعش بدايةً.
ترسم خبرة داعش النفطية في سورية وغرب العراق صورة قاتمة بشكل متزايد لبنية النفط التحتية في المنطقة. وتعتبر استراتجية داعش النفطية في الوقت الراهن خطراً بأكثر من طريقة: ليس فقط في الصراع الذي تخوضه مع الجيش للسيطرة على المرافق، وإنما أيضاً –في حال فازت داعش بالسيطرة-  في إدارة هذه المرافق من قبل التقنيين الذين لا يتمتعون بالكفاءات الجيدة والمهارة اللازمة. وتسلط الخبرة النفطية الضوء على نتائج حتى أشد خطراً، تتمثل في أن تسيطر داعش على السدود الكبرى في العراق.
بينما تشاهد بأم أعينها أن السيطرة على حقول النفط على اليابسة لا يشكل نعمة كبيرة للمستقبل الذي تأمل أن تحققه، ربما تجد داعش المزيد من المصالح في الهجوم على مرافق النفط لتمنع ولوج أعدائها إلى عائدات النفط: المتمثلين في الحكومات العديدة التي تستهدفها. في ليبيا، تبدو الأطراف وأنها انتقلت ببساطة من مجرد الاستيلاء على مرافق النفط إلى تفجير شُحنات التصدير. لقد شنت القوات المسلحة التي انتسبت إلى داعش فعلياً سلسلةً من الهجمات على مرافق الطاقة في وسط وشرق ليبيا، بما في ذلك الحقول التي تدار بالشراكة مع الشركات الغربية.

"إنيرجي كوليكتف، إمي مايرز جافي"

اضافة اعلان

[email protected]