"داعش" وترامب واليمين الأوروبي المتطرف

ربما يكون أكبر انتصارات "داعش" على الإطلاق، لكنه لا يكاد يحظى بأدنى التفات، هو نجاح التنظيم في خلق بيئة عربية خصوصاً، تمنع، بشكل عام، دراسته بشكل علمي موضوعي، أو حتى التعاطي بشكل جاد مع الدراسات الرصينة القليلة المتوفرة بهذا الشأن. وهو ما يعني، بالمحصلة، استمرار هذا "الانتصار" حتى في حال الإجهاز على "داعش" تنظيمياً في العراق وسورية، وبالتالي حتمية عودة الظاهرة مستقبلاً ولو بمسميات أخرى.اضافة اعلان
إذ في حال استثنينا، بشكل طبيعي، أصحاب الأجندات المعروفة بمحاولة اختزال الإرهاب "العربي" و"الإسلامي" في كونه نتاجاً ثقافياً يرتبط بالإسلام فحسب، من باب تصفية الحسابات؛ فإنه مع كل جريمة إرهابية لداعش وأشباهه، يتم استدراج الأغلبية العربية إلى دائرة الإدانة والتبرؤ. فيما يبدو الملمح الأحدث الآن لهذا التشوه في جلد الذات؛ أي باعتبار العرب والمسلمين، بشكل مباشر وغير مباشر، هم المسؤولون عن كل تطرف العالم، كون هذا الأخير هو نتيجة فقط لتطرفنا.
لا بد من الإقرار بداية، أنني كنت أنا شخصياً قد كتبت مقالاً، نهاية العام الماضي، اقتبست عنوانه من موقع إلكتروني باكستاني، هو "داعش يعلن مسؤوليته عن ترامب!". ومع عدم إنكار أو حتى إغفال علاقة التعايش بين إرهاب "داعش" وأمثاله وبين صعود المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترامب مثلاً، كما صعود اليمين الأوروبي المتطرف، تظل الحقيقة أن صعود ظاهرة التطرف عالمياً ليست بالضرورة نتيجة ردود أفعال أبداً بين تجلياتها المختلفة.
لنأخذ حالة ترامب ابتداء. إذ لم تعان الولايات المتحدة حادثاً إرهابياً كبيراً أو حتى متوسطاً منذ أيلول (سبتمبر) 2001. بل إن الانتخابات الأقرب لذاك الهجوم أفرزت لدورتين متتاليتين، وبهامش واسع، باراك أوباما المدافع عن العولمة والشراكة بكل أشكالها. وأوباما لا يعرض، عندما يتعلق الأمر باللاجئين، سوى إعادة توطين 10 آلاف لاجئ سوري.
فلماذا يصعد ترامب الآن، لاسيما وأن من تابع الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، لاحظ حتماً أن خطر الإرهاب لم يكن متسيداً المشهد، بحسب استطلاعات الرأي آنذاك، فيما تذيل هذا الخطر دوافع الديمقراطيين بهامش أوسع بكثير عن الجمهوريين؟
أيضاً، وبخلاف ما يُشاع عربياً، فإن عامل الحد من الهجرة، كأحد الأسباب الرئيسة التي أدت بالبريطانيين إلى التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، لا يتعلق أبداً بالهجرة من العالمين العربي والإسلامي، بل بالهجرة من أوروبا الشرقية القريبة ثقافياً من أوروبا الغربية.
وحتى في حالة أشهر أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، وهو حزب "الجبهة الوطنية" الفرنسي، فإنه قد يُقال – رغم أنه ليس هناك ما يُثبت ذلك- إن اقتراب مؤسسه جان ماري لوبان من تولي منصب الرئاسة في العام 2002، كان مرتبطاً بهجمات 2001 على نيويورك وواشنطن العاصمة. لكن ذلك لا يلغي حقيقة صعود الحزب المتواصل شعبياً منذ تأسيسه الذي يعود للعام 1972، أي قبل كل التطرف العربي والإسلامي العابر للحدود بسنوات طوال!
مرة أخرى، هناك حتماً علاقة تعايش بين المتطرفين، لكن ليس إلى حد اعتبارها تلقائياً علاقة سببية تفسر التطرف عالمياً. لكن في المقابل، لا بد أن تكون هناك أسباب مشتركة تفسر "عصر التطرف" الحالي؛ وهي ما يستدعي البحث. ومن ذلك، كما يشير بعض الباحثين الغربيين، طبيعة النظام العالمي، لاسيما المرحلة التي وصلت إليها الرأسمالية في عالم معولم.