دبلوماسية الكَيّس الفَطِن

قبل نحو اثني عشر عاماً، كنت شاهداً يوم الأربعاء السابع من آذار 2007 على الخطاب الجريء وغير المسبوق الذي ألقاه جلالة الملك عبدالله الثاني أمام الكونغرس بشقيه والذي كرّسه للقضية الفلسطينية، برغم إدراكه أن الأجواء آنذاك كانت ملبّدة بهموم حرب العراق وأن الأغلبية الكبرى من أعضاء الكونغرس يناصرون إسرائيل ولديهم حساباتهم الانتخابية. وبعد انتهاء الخطاب، خرجت من القاعة مع زملائي في لجنة الشؤون الخارجية - التي كان يرأسها آنذاك توم لانتوس من كاليفورنيا المعروف بلهجته الهنغارية وتأثيره القوي لصالح إسرائيل - وسمعت في الردهات النقاشات التي دارت بعد الخطاب أوصافا عديدة للملك منها أنه شجاع يتحدث عن القضية الفلسطينية في الوقت الذي تنزف الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان وتخوض حرباً دولية على الإرهاب. ومنذ ذلك الوقت وأنا أتابع خطابات ولقاءات القادة العرب لغايات المقارنة بالمضمون والكم، والنتيجة هي انه لم يقم أي قائد أو زعيم عربي أو إسلامي بجهد مواز ولا مضاه لما قام به جلالة الملك عبدالله الثاني بحصافة، والدبلوماسية الأردنية بمهنية واحتراف في إبقاء القضية الفلسطينية حية على أجندات السياسة الدولية بأبعادها القانونية والسياسية والاخلاقية على الرغم من تبدل الأولويات الدولية والاقليمية في كل حقبة ووجود قضايا أردنية ضاغطة. فيما يقارب نحو 242 خطابا ألقاها الملك عبدالله الثاني منذ العام 1999 كانت القضية الفلسطينية حاضرة إلا ما ندر. كان آخرها في قمتي مكة العربية الطارئة والاسلامية العادية. وبرغم الضائقة الاقتصادية التي يُعاني منها الأردن، لم يمر خطاب في المحافل الدولية دون ان تكون القضية الفلسطينية جزءا منه خصوصاً خطاباته امام البرلمان الاوروبي ومجلسي العموم واللوردات في بريطانيا. هذا التركيز ليس ترفاً ولا لملء ساعات البث بما تيسر. الأردن هو الأكثر تأثراً بمجريات القضية الفلسطينية ولذلك يستمر بحمل لوائها في كل مكان وبشجاعة. وعلى الرغم من كثير التقولات على المواقف العربية، أو بعضها، بشأن القدس والقضية الفلسطينية جاءت نتائج القمتين العربية والاسلامية في مكة الأسبوع الماضي لتؤكد أن مواقف الدول العربية الجماعية لم تتغير قيد أنملة حسب البيانين الصادرين عنهما. التغير هو في الأولويات الأخرى. في القمم السابقة كانت مشاكل لبنان، والعراق، والأمن الداخلي للدول العربية، وآثار الربيع العربي حاضرة إلى جانب القضية الفلسطينية. اليوم، تحضر إيران إلى جانب هذه القضايا جميعها ولا تستبدلها على الرغم من اهميتها للخليج أكثر من المغرب العربي وبدا ذلك جلياً في بيان القمة الطارئة لمجلس التعاون الخليجي، الذي حضرته قطر كذلك بدعوة سعودية رسمية، وخرجت "جميع" قراراته التسعة بإدانة لإيران دون أي اعتراض من قطر أو عُمان في البداية، وتحفظ قطر اللاحق على بياني مجلس التعاون والقمة العربية. أما بيان القمة العربية الطارئة فقد أفرد 20% من مضمونه للقضية الفلسطينية مؤكداً على المواقف الثابتة التي تبنتها قمم سابقة وآخرها قمة الظهران في نيسان 2018 وتونس في آذار 2019. أما البيان الختامي للقمة الاسلامية فقد خَصص احدى عشرة فقرة لفلسطين والقدس بنسبة 15% من مجمل نص البيان الختامي البالغ 7497 كلمة. بالمقارنة مع البيانات السابقة لقمم مماثلة بقيت نسب المضمون المخصص للقضية الفلسطينية متقاربة. وفي كلا البيانين جاءت القرارات المتعلقة بفلسطين والقدس لتؤكد المواقف الأردنية التي عبر عنها جلالة الملك غير مرة منسجماً مع الأغلبية من الرأي العام الأردني والعربي والاسلامي في القضايا المفصلية المتعلقة بالصراع مع إسرائيل. ولضمان استمرارية هذاالزخم ينبغي أن يُنظم جهد الشباب الأردني والفلسطيني اليوم في العالم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي كجزء من حملة عالمية لإحقاق الحق الفلسطيني والحفاظ على الهوية الفلسطينية في وجه التهديد والتهويد والتذويب مستفيداً من الارتباط المتزايد للشباب بفكرة عدالة القضية الفلسطينية. ويتعزز هذا بموقف الملك ويُعزّزه، وينبغي أن تستثمر منظمة التحرير، والدول العربية أكثر في مجال تكنولوجيا المعلومات والتواصل الاجتماعي لخلق رأي عام عالمي مناصر للحق الفلسطيني بشكل أكبر ويسعى للاعتراف بجواز السفر الفلسطيني عالمياً، كرمز للهوية الوطنية الفلسطينية.اضافة اعلان