درس من اللبنانيات

يظل لبنان مُعَلِماً للشرق، مُعلَماً في الحرب ومُعلْماً في السلم، لبنان الذي خاض حربا أهلية دامت حوالي خمسة عشر عاماً على أسس طائفية، ودفع أكثر من 150 ألف قتيل في حرب الآخرين على أرضه، يعود اليوم كحالة وطنية وتركيبة سياسية، من أرض الثماني عشرة طائفة على مساحة جغرافية تبلغ تقريبا ثلث مساحة محافظة اربد، يعود كشعب عصري ليطرح سؤالا حول شكل الحكم المقبول في هذا العصر، وشكل المواطن الفاعل في هذا الزمان، يعود اليوم ليطرح سؤالا نحاول أن ندفن رأسنا في طياته وهو دور الدين في الدولة والمحاصصة السياسية. الدستور اللبناني دستور يكرس الحقوق والحريات الفردية ويقرر حرية المعتقد واقتصاد السوق الحر، وفي نفس الوقت يتحدث عن تقسيم طائفي لمجلس النواب مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، وقد أضيف للدستور على إثر إبرام اتفاقية الطائف التي أنهت الحرب الأهلية نصٌ يدعو صراحة لإلغاء الطائفية السياسية واعتماد شرط الكفاءة في الوظيفة العامة "وفق خطة مرحلية" كما ورد في منطوق المادة 95 منه، ولكن "المرحلية" التي دعا إليها الدستور لإلغاء الطائفية صارت هي الواقع الفعلي الذي جذر بشكل أعمق من أي وقت مضى المحاصصة السياسية فظل رئيس الجمهورية مارونياً، ورئيس مجلس الأمة شيعياً، ورئيس مجلس الوزراء سنياً، وهذا التقسيم يبين أن المحاصصة ليست بين المسيحيين والمسلمين بل تتعداها لتكون بين أتباع الطائفة الواحدة، علماً أن أتباع الطائفة الواحدة ليسوا بالضرورة حلفاء فالسنة أقرب للمسيحيين منهم للشيعة وهذا تفصيل آخر على تعقيد المشهد الطائفي اللبناني.الحراك الشعبي اللبناني اليوم في صيغته الحالية النقية يعد انتفاضة على صيغة النظام السياسي اللبناني ويمثل إعلان إفلاس نظام المحاصصة السياسة، والأهم هو إعلان أن النظم التي تخلط الدين بالسياسة إنما تخسر الدين وتخسر السياسة، وإن إدارة البلاد على أسس محاصصة مهما كانت تسميتها وخلط الدين بالسياسة إن نفع طبقة أو مجموعة أو حتى إن نفع المواطنين لفترة وجيزة فإنما مصيره للفشل وإهدار الأموال والأعمار والأوطان . مطالب الانتفاضة اللبنانية بقدر وضوحها بقدر صعوبتها لأنها انقلاب على تراث قديم من المحاصصة والطائفية والاصطفاف الفكري والمناطقي والايديولوجي، بدأ في مطلع القرن العشرين "1932"، وتعقد عبر السنين خاصة في ظروف الحرب الأهلية وترك لبنان جغرافياً وسياسيا مناطق نفوذ للآخرين في الجوار وفي العالم، الأمر الذي جعل البعض يتنبأ أن لبنان قد يخرج من المعضلة التي هو فيها الآن بأزمة اغتيال سياسي لشخصية سياسية بحيث يعيد مثل هذا الاغتيال لا سمح الله طرح المشروع الطائفي وهو ما ندعو الله ألا يحدث. انتفاضة لبنان هي إعلان صريح أن لا مستقبل للمنطقة دون دولة مدنية قائمة على المواطنة وسيادة القانون والحكم النزيه الرشيد، وهذه المنطقة شعوبا وانظمة هذا خلاصها، دول مدنية تحترم التدين والعقائد وتفصل الدين عن السياسة وتمنع استغلاله بشكل جلي وقاطع. لبنان، واللبنانيون، واللبنانيات خصوصا قدموا لبعضنا درسا، البعض الذي يحكم على الناس بشكلهم ومظاهرهم ولهجتهم وسلوكهم، وقالوا لهم: إنه وبغض النظر عن حكمهم الشخصي على الآخرين فإن سيدة محجبة أو "سافرة " هي إنسان وعقل وقلب ورأي، وقد تكون ثائرة أو رائدة أو سيدة أعمال أو صاحبة رأي وقضية، وهي تملك عقلها وجسدها، وهي غير مهتمة بالضرورة برأي رعاة المحاصصة والطائفية والأحكام الأخلاقية السطحية، هذه بعض دروس الانتفاضة اللبنانية وما تزال الدروس تتوالى، فاهم علي جنابك؟اضافة اعلان