درعا مهد الثورة ولحدها

باتفاق أول من أمس نؤرخ لنهاية الثورة السورية. وقال مسؤول من المعارضة "من درعا انطلقت الثورة وفي درعا ستنتهي". هي على كل حال ثورة اختطفت مبكرا وتحولت الى حرب أهلية تخوضها ميليشيات أقل أو أكثر طائفية وتطرفا تحظى بتمويل خارجي لا غنى عنه للكلف الباهظة للتسليح والتجهيز والرواتب. وكانت داعش ستجتاحها جميعا تماما كما اجتاحت طالبان الفصائل الأفغانية بدعم من المخابرات الباكستانية، وكان الجيش الحر أول وأكبر الضحايا، وقد تفتت الى ميليشيات تشبه غيرها بينما تضاءلت حصّة الوطنية الحقة إلى أقل حدّ كان للأردن فضل المحافظة عليها وعلى بضع مجموعات في الجنوب ذات ولاء وطني وعشائري شكلت حاجزا من دون داعش والميليشيات المتطرفة.

اضافة اعلان

الثورة انتهت حيث بدأت، لكن لا نقول الشيء نفسه عن الحرب الأهلية، فهناك جيوب لداعش وجيوب إدلب ومناطق لجوء مقاتلي المعارضة، وهناك شرق وشمال الفرات، وهناك أبناء المناطق المنكوبة ونازحو الاحتلال الديموغرافي والانقسامات المتجذرة والجراح الغائرة والأحقاد وتصفية الحسابات. كل شيء ما يزال مفتوحا ويعتمد على قرار النظام المنتصر، هل سيذهب بسورية الى حلول سياسية حكيمة ومصالحة تاريخية؟ أم يبقيها في جحيم الاستبداد الذي يحمي التفرد والطائفية والفساد!

في درعا بدأت الاحتجاجات السلمية والمظاهرات العفوية، وفي درعا انتهى العصيان المسلح وحرب الميليشيات. نحن مختلفون الى درجة لا تصدق حول رواية الأحداث. منذ البداية شكك البعض بالانتفاضة السلمية وبحقيقة خروج مظاهرات وافترضوها دعاية فارغة ضد النظام. ثم شككوا بالقمع الدموي وقنص المتظاهرين بدم بارد والسجون -المسالخ والمفقودين. وشككوا بالانشقاقات الفردية والجماعية في الجيش، وهذا الانقسام العمودي المذهل حول الحقيقة في سورية قصة تحتاج لوقفة خاصّة. والحال أن السلمية لم تعد قابلة للحياة وبدأ تشكيل الجيش الحر، ثم بدأت تظهر الميليشيات المسلحة وبدعم خارجي وظهرت القاعدة-النصرة كأقوى الفصائل، وهنا تنتهي الثورة وتبدأ الكارثة والحرب الأهلية ثم أسوأ من ذلك تظهر داعش في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة وتتمدد على حساب الجميع، ومن تلك اللحظة بدأ النظام ينتصر سياسيا رغم أن سلطته على الأرض تقلصت الى أقصى حد. وتحول العالم لمحاربة داعش كأولوية وأصبح مشروعا دخول حزب الله والإيرانيين ثم دخل الروس بكل ثقة وعنفوان وبأجندة واضحة مقابل أجندة الغرب والعرب التائهة.

لم يعد هناك ثورة، بل حروب بالوكالة وأجندات ومصالح قذرة بما فيها مصالح الميليشيات المحلية التي تتشكل في الأحياء لجمع الخاوات أو شحدة الدعم الخارجي. وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد انخرط الجميع في التجاوزات والمجازر رغم بقاء الحصة الأكبر للنظام. وفي الحرب الأهلية لا أحد يبقى طاهرا وإن لم يكن بقرار قيادي، فالمقاتلون ينحرفون بسهولة الى الوحشية والانتقام ولم تفلت من ذلك حتى قوات سورية الديمقراطية الأكثر علمانية، وهي بأغلبها من وحدات حماية الشعب الكردي.

منذ البداية السلمية للثورة، كان نفوذ التيار الإسلامي واضحا كما حصل في كل بلدان الربيع العربي، وهكذا كان الحال في تونس البلد الأكثر علمانية، لكن المخاض السلمي الحريص مكن لصيغة مدنية ديمقراطية من الانتصار. ولو انفتح النظام في سورية منذ الفترة الأولى للاحتجاجات على القوى الوطنية الديمقراطية النظيفة ونحن نعرفها بالاسم للتفاهم على مشروع إصلاحي حقيقي لتجنبت سورية كل الويلات اللاحقة والثمن المرعب الذي رأيناه. ولا أدري إذا كان النظام الذي استعاد سلطته الآن سيتعظ وهو لم يفعل حين أوشك على أن يفقدها!