درّاج يحاضر حول دلالات المنفى بدارة الفنون

عزيزة علي


عمان - قدم الناقد د.فيصل دراج تعريفا لكلمة المنفى، وهو: إقامة في اللاإقامة، أو إقامة في الانتظار، أو انتظار مرهق معطّل الإقامة، والمنفى وعد وعقاب؛ وعد بعودة إلى زمن دافئ الإقامة، وعقاب لا سبب له إلا فساد الطبيعة الإنسانية. والمنفى اختبار لا يجتازه الفنان المبدع ويخرج "بلا هزيمة"، ذلك أن انتصار الفنان إبداعه الفني.اضافة اعلان
وأضاف دراج في الندوة التي نظمتها دارة الفنون ضمن اللقاء الشهري الثقافي للدارة بعنوان "الفنان والمنفى"، أول من أمس، أن المنفى في دلالته اللغوية يعني "التساقط".
وأشار المحاضر إلى الروايات التي ترصد عوالم الروح المغتربة، قبل أن تنفتح على عالم خارجي غادره الجمال، مشيرا إلى أن رواية "رجال في الشمس"، للروائي الشهيد غسان كنفاني تبين "المنفى القسري، والأرض الرخوة التي تخادع الذي يسير فوقها".
ونوه دراج إلى أن بهاء طاهر، في "الحب في المنفى" نفذ إلى عوالم الضياع، حيث من لا وطن له لا طمأنينة له، ومن لا طمأنينة له يلتهمه الفراغ، لافتا إلى أن الكاتب المصري الراحل عباس محمود العقاد يقول: "واطن السؤال"، أي جوهره، كما لو كان الوطن المرجع الأكثر ثباتاً، وما جاوره لا يعوّل عليه.
ولفت المحاضر إلى انجذاب مؤلف كتاب "صور المثقف"، المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد، إلى الكتاب اليهودي الألماني إيريش أورباخ، الذي اختار إسطنبول منفى خلال الفترة النازية، مبينا أن ما جذب سعيد إلى أورباخ هو "قلق الإقامة واضطراب الروح التي تبحث عن مكان أليف لا يقهر الأحلام، ذلك أن في الأحلام ما يستدعي إقامة لا تبدّدها المطاردة".
واعتبر دراج أن "التساقط الذي يلازم المنفى" في اللغة، هو ما يجعل حياة الإنسان المنفيّ تجربة في المقاومة، يتقاطع فيها التذكّر، فلا "منفيّ" بلا تجارب مع الذاكرة، سعيدة ومؤلمة معاً، والانتظار. فلولا الانتظار لأكلت الذاكرة صورها، وفي التذكّر والانتظار رغبة في البوح والتعبير، وقوة مقاومة تروّض المنفى ولا يروّضها المنفى.
وأشار المحاضر إلى أن هؤلاء الفنانين قاوموا ظلم المنفى بقوة "الكلمة المرسومة"، ومرّوا على غزة أكثر من مرة، واتكأوا على شاعرهم محمود درويش، وهو يتحدث عن "عيون تخز القلب"، وعن "غابة زيتون" غطتهم الدماء. وكذلك الشاعر التركي ناظم حكمت الذي كان يستلهم منفاه الطويل ويقول: "المنفى مهنة شاقة يا صاحبي"، الذي لا تجاوره "مهنة الوطن"، فالوطن حق شرعي، ينتسب إليه الإنسان ومهنه جميعاً.
وتحدث دراج عن الأسباب التي تجعل الفنان يترك وطنه، لافتا إلى أن الفن "حرية"، فنقص الحرية يعد من أبرز الأسباب التي تجعل الفنان يترك الوطن، والثقافة الجمعية.
واعتبر المحاضر أنه إذا كانت بين الفلسطينيين والمنفى علاقة تلازم، ردوا عليها بفن خاص: "بطولة البقاء". فإن بين غير الفلسطينيين من العرب والمنفى علاقة أخرى، أقل عنفاً، فرضها واقع عربي يقيد الخيال ويطارد "الكلمة المضيئة"، ويطمئن إلى الكلمة الصامتة التي لا تؤرق أحداً.
وأشار دراج إلى عشرين فناناً من جنسيات مختلفة، يعيشون في مناطق مختلفة، ويمثّلون تجارب مختلفة، اشتركوا في معرض، يحاور العين والعقل والذاكرة، ويجسّد "قوة الكلمة"، مبينا أن هذه التجارب أضاءت "الأعمال الفنية المختارة من مجموعة خالد شومان"، في أساليبها المتعددة.
وخلص المحاضر إلى القول إن الفن تجسيد لـ"قوة الكلمة" التي تؤرق الطغاة وحرّاس الضمائر. فلو كانت للحقيقة أجنحة لأصدر المستبدون قراراً بمنع الطيران، ولو كانت للكلمات أعناق لجمعها الطغاة في عنق وحيدة، وأوكلوا أمرها إلى جلاد وحيد. ففي "قوة الكلمة" ما يدلل على تبدل الأزمنة، وما يبشّر بمدينة فاضلة، يذهب الإنسان إليها ولا تأتي إليه". في البدء كانت الكلمة، وبعد "البدء" دخلت الكلمة والفعل في وحدة مفتوحة.

[email protected]