دعد الناصر تطرق موضوعا بكرا بدراسة المنامات في الموروث الحكائي العربي

بيروت- في كتاب الباحثة الدكتورة دعد الناصر عن المنامات والموروث الحكائي، فضلا عن تميز موضوعه وإثارته للاهتمام، جهد يلفت النظر ومواد واستنتاجات كثيرة.

اضافة اعلان

ومع ذلك ومع أهمية الكتاب، فقد يشعر القارئ أحيانا بشيء من الضياع وكأنه قد اشكل عليه وسط هذا الثراء في المواد الذي يفترض ان يغني الفهم ويسهله. وربما جاء ذلك الغموض أحيانا نتيجة نسيج من المصطلحات، استطال وتتابع فبدا في بعض الحالات كأنه شكل نسيجا كاد يزيد المبهم إبهاما، أو أن يخلق هذا الإبهام حيث لا يوجد بالضرورة.

واذا كان تعبير "مصطلح" يحمل في ذاته أي لفظه ومعناه مبرر وجوده.. إذ أنه في النتيجة "متفق" او مصطلح عليه فإن تحول مجموعة المصطلحات الى شبه غابة مظلمة او داكنة او الى منعطفات محيرة يخلق عبئا على الاثنين.. القارئ في فهمه والكاتب في الحكم على نتاجه.

ويغدو الامر هنا كأنه يذكر بالقول الشعري "للماء يلجأ من يصاب بغصة/ فلأين يلجأ من يغص بماء.." فالمصطلح هو لبناء فهم -للنظري والعملي- ولتسهيل هذا الفهم لا لخلق أحجية جديدة، ربما بدت إضافة لإلى موضوع قد يكون معقدا أصلا.

وقد يقال بحق أن كل مصطلح يحتاج إلى شرح وتوضيح للقارئ الذي لا يكون دائما من ذوي الاختصاص.

في كتاب الدكتورة دعد الناصر -القيم على رغم بعض الماخذ- ما يبدو احيانا انه في حاجة الى توضيح حتى لاهل الاختصاص اذ ان بعض مصطلحاته العديدة يبدو "بكرا" لم يكرسه الزمن او لم يعممه كفاية. وهنا لا بد من توضيح كي تؤدي المقدمات إلى نتائجها كما يقول المناطقة.

عنوان الكتاب هو "المنامات في الموروث الحكائي العربي.. دراسة في النص الثقافي والبنية السردية". وقد صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر وبدعم من وزارة الثقافة وجاء في 394 صفحة كبيرة القطع.

العنوان نفسه مثير للاهتمام ويعد بالكثير.

ومما قد يؤخذ على الكتاب في بعض المجالات -وهي قليلة- أن القارئ ربما التبس عليه الأمر فلا يعود يعرف اذا كانت المؤلفة تتكلم عن "الاحلام" نفسها.. والامر هنا كما هو واضح عامة -وعندها- يعود في الغالب الى عالم النفس. الاحتمال الثاني في هذا الالتباس هو انها تقصد الحلم وقد تحول في الذهن الى موضوع ادبي يسرد. فالسرد وشروطه واركانه -كما هو معلوم- لا يبدو أنها تنطبق على الحلم إلا حين نسرده ونحوله إلى حكاية أو قصة تروى أو تكتب. يستتبع هذا أن القول غن الاحلام تأتينا وفقا لنظام أدبي قصصي مدروس، كما يدرس أي عمل أدبي بشكل يغلب عليه الوعي والدرس والجهد يبدو محيرا بشكل أو آخر وبعيد الاحتمال.

لا يعني هذا القول إطلاقا ان هذا الامر شبه البديهي الاقرب الى "الف باء" اي بحث في هذه المجالات.. قد فات الكاتبة المثقفة التي عالجت كل هذه الموضوعات بتعمق واطلاع واسع. بل المقصود ان النص في مجالات منه ربما كان بحاجة الى توضيح فلا تبدو المسألة شبيهة بالقول ان "المعنى هو في قلب الشاعر".

المقصود هو ضرورة "إضاءة" بعض التفاصيل التي قد تلقي بجو من الغموض او سوء الفهم على عمل الباحثة وجهدها الكبير وضرورة الانتقال بوضوح بين العام والخاص. فلا يكفي أن تكون الأمور واضحة للكاتب وحده.

وقد يكون اهم الامثلة "ابسطها".. اذن فلنبدأ من البداية. في المقدمة تبدأ الدكتورة دعد الناصر بما قد يحق لنا أن نقول أنه يحمل في بعض ما ينطوي عليه تعميما ينقصه شيء من التحديد كي لا يتحول إلى " إطلاق" خالص. تقول "منذ القدم عرف الانسان المنامات بوصفها اشارات الهية قادرة على مخاطبة روحه وهدايته وانذاره وتفعيل مجريات حياته. وانطلاقا من ايمانه المقدس بها عمد لطقوس عجائبية من اجل حضانتها واستدعائها لتكون حاضرة معه دوما لا سيما في الازمات الفردية والمجتمعية التي يعانيها... واعتبارا لهذه الاهمية للمنامات في الحضارات الانسانية بدأت البحث باحالة تاريخية تجليها وتكشف ابعادها."

ننتظر الإحالة التاريخية. تتابع الكاتبة كلامها فتقول مباشرة بعد ما ورد منتقلة من القول العام عن الحضارات الانسانية إلى "مقصود" محدد تاركة القارئ في جو الكلام العام السابق ليتوهم فيفترض انها ما زالت تتكلم عن الاحلام في شكل عام وإن استعملت مرادفا لها.

تقول " والمنامات بوصفها نصا ادبيا تلازم منتجها ابا عبد الله محمد بن محرز ابن محمد الوهراني الذي تلقب ب "ركن الدين" (575 للهجرة) ف"المنام الكبير الذي انشأه على هامش رسالة بعث بها ردا على كتاب المولى "الشيخ الاجل الامام الحافظ الفاضل الاديب جمال الدين ركن الاسلام شمس الحفاظ فخر الكتاب زين الامناء".. ينهض بوصفه المنام الادبي الاشهر في الذاكرة السردية التراثية وبكونه الاثر الادبي العابق باصداء رسالة الغفران وفضاءات القيامة ..."

الكاتبة تشير هنا الى ان الكلام الذي اوردته والموضوع بين اهلة صغيرة مأخوذ من منامات الوهراني ومقاماته ورسائله اي الى عمل ركن الدين محمد بن محرز الوهراني.

لكن الامر هنا ليس مجالا للعبة من أعمال "الجناس" او ما يشبه ذلك فبعد الحديث العام عن الأحلام في الذاكرة الانسانية تنتقل بنا فجأة إلى الحديث عن "المنامات" وتضعها بين أهلة وتقول انها بوصفها نصا ادبيا "تلازم منتجها" الوهراني. ما الذي تقوله الدكتورة دعد الناصر فعلا.. هل هناك من شك تحاول تبديده في ان الوهراني هو صاحب المنام الادبي الاشهر كما تقول.. وهل الوهراني هو صاحب العمل الأول من هذا النوع في العربية ام في العالم الاسلامي أم في العالم قاطبة.. التساؤل يأتي انسجاما مع كلامها عن الأحلام في تاريخ الانسان. ولماذا انتقلت بنا فجأة ودون تدرج وإيضاح وفي شبه كلام شعري من الحديث عن الاحلام إلى الحديث عن "المنامات" كعمل ادبي وتركتنا في عالم "ضبابي" خلق مجالا كبيرا لسوء الفهم.. وهل يلام القارئ مهما كان مستواه الثقافي اذا ضل طريقه الى المعنى المقصود او تعب في البحث عنه..

من امثلة هذا الامتلاء الذي ربما ارهق القارئ لانه ينفتح اليا واستطرادا على حال او فكرة ثم على آخر وأخرى بتتابع واستطالة فيتحول النص القصير أحيانا إلى سلسلة طويلة من المعاني.

في الحديث مثلا عن انواع المنامات وتركيزها على "المنام المركزي" تقول "وهو المنام الذي ينهض بعبء الوظيفة المركزية. وتوليد المنامات تحتضنها السرود الطويلة التي تنسرد فيها مساحة السرد وتكون قادرة على استيعاب سلاسل الاحداث المولدة مثل السير الشعبية فلا تظهر في السرود ذات الاخبار القصيرة " النشوار والعقد والاغاني" او الحكايات القصيرة "المقامات وألف ليلة وليلة ومئة ليلة وليلة (لتي ظهرت فيها المنامات وليست كل الحكايات) وهكذا..

"تتصدر المنامات المركزية السير في الغالب حاملة نبؤة السرد وواعدة بتحقيقها وانفاذها. انها تمثل بذلك منطق القص الذي يعد المتلقي دائما بانفاذ النبؤة. وفي المقابل يتكئ السرد على المنام المركزي فيظل يوالي الاشارة اليه مخلفا بذلك الحافز الذكي الذي يحافظ على تيقظ المتلقي مذ البدايات التي حكت النبؤة وحتى اوان النفاذ والتحقيق."

ومع التقدير الكبير لهذا العمل فربما وجد القارئ نفسه يفهم المقصود -لا بفعل وضوح النص او لربط الأمور بعضها ببعض- بل أحيانا لقدرته هو على قراءة الاشارات السريعة المكثفة والاختصار، والربط بينها في ذهنه وبجهد منه احيانا وعلى "تقدير المفترض"، خاصة أن كل ذلك لم يأت "خلاصة" لتفاصيل وجب اختصارها.