دليل وجود منظمة التحرير الفلسطينية

قدّم البيان الصادر عن دائرة الثقافة والإعلام في منظمة التحرير الفلسطينية، بشأن قرار جامعة الأقصى فرض "اللباس المحتشم" على طالبات الجامعة، دليلا على أنّ منظمة التحرير فاعلة وتتابع الأحداث، وتقوم بمهامها. اضافة اعلان
فحسبما تناقلته الصحف، "اتهمت منظمة التحرير الفلسطينية حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة بسعيها إلى فرض مفاهيم "حركة طالبان" الأفغانية على أهالي قطاع غزة، وذلك على خلفية فرض إدارة جامعة الأقصى الزي الشرعي على الطالبات اللواتي يمثّلن حوالي 70 % من مجموع طلبة الجامعة البالغ عددهم حوالي 22 ألف طالب وطالبة". واستعرض البيان مخالفة القرار لروح الشريعة الإسلامية القائمة على عدم الإكراه، بل وقدّم (البيان) درسا من الفكر العالمي، فجاء أنّ "المربي البولندي الشهير يانوش كورتشاك" يقول: إنّ "إصلاح العالم يعني إصلاح التعليم.. ومن يخطط للأجيال يربي شعوباً".
من حق الطالبات وغيرهن تقرير شؤون حياتهن. وكان يمكن تأييد "بيان المنظمة"، وتحديدا دائرة الثقافة والإعلام فيها، جملة وتفصيلا، وإدانة أي جهة تعتدي على الحقوق الأساسية البسيطة للإنسان، لو أننا كنا نستمع لمواقف، أو نرى سياسات وإجراءات حقيقية على الأرض، في الملفات الأخرى من قبل المنظمة ودوائرها؛ كإضراب الأساتذة الذي يشل عملية التعليم في الضفة الغربية، أو بشأن الأزمة المالية الخانقة للجامعات الفلسطينية، أو كنا نرى الدوائر المعنية تدير برامج تعليمية، وتنموية، وثقافية تخلق حراكا شعبيا عارما في خدمة المشروع الوطني، وتلبية الحاجات الأساسية للفلسطينيين.
إذا ما أردت البحث عن مهام الدائرة المعنية (الثقافة والإعلام)، تجد نفسك أمام الواقع المحنّط. فعلى موقع وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، تجد توصيفا يعود لعقود خلت، من نوع "تنظيم المعارض الفنية، وإصدار الكراسات عن القضية الفلسطينية. والاهتمام بالإعلام الفلسطيني، ولاسيما الإذاعي، وفقاً لاحتياجات الجماهير في المناطق المحتلة لغايات التوجيه السياسي". وجاء أيضا أنّ من الوظائف" إنشاء مركز إعلامي خاص بشؤون الوطن المحتل". فمن الواضح أنّ التوصيف يعود إلى زمن الثورة والشتات، عندما كانت الإذاعة، نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، أفضل وسائل التواصل الإعلامي العابر للحدود. ولا نعلم ما إذا كانت العلة في مادة "وفا"، أم أنه لا جديد في الدائرة!
ملّ الفلسطيني من الاستماع لنقابات وهيئات وأندية الإعلام التابعة لحكومة "غزة" وحركة "حماس" وهي لا ترى إلا اعتقالات الضفة الغربية، وتعتبر دورها تبرير الاعتداء على الحريات في غزة، من نوع تصريح مكتب إعلام الحكومة المقالة الأخير، بأنّ قيام جهاز الأمن الداخلي التابع للحكومة باعتقال مجموعة من الصحفيين الأسبوع الماضي لم يكن على خلفية ممارستهم لمهنة الصحافة؛ والقول إنّه "حتى لو كانوا هؤلاء صحفيين فإن ذلك لا يعني أن لديهم حصانة لعملهم ضد المصلحة الوطنية". والعكس صحيح؛ فمن في الضفة الغربية يتصيد ما يحدث في غزة، ويغض النظر أو يبرر ما يحدث قربه.
منظمة التحرير هي الوطن المعنوي للفلسطينيين. وهذه ليست فكرة عابرة أو مجرد شعار، بل تختزن أبعادا ثقافية وفلسفية عديدة، مفادها كيفية تكوين رابطة وطنية عابرة للجغرافيا والحدود والسياسة، وإيجاد إعلام وطني، وثقافة، موزعتين على المنافي؛ أي أنّ يعيش الفلسطيني في أميركا اللاتينية الهمّ ذاته الذي يعيشه الشباب الذين ينظمون حفل زفاف وهميّا (أو لعله الزفاف الحقيقي) للدخول إلى موقع قرية باب الشمس. ودائرة من هذا النوع (نتخيل، ويبدو أنّ بعض الخيال إثم) تفكر، في عصر مجتمع الشبكات والإعلام الجديد، كيف تنشئ رابطة ثقافية ومهرجانات عابرة للحدود توحد الفلسطينيين، وتنشئ حركة ثقافية وطنية واحدة.
الناظر إلى الفعاليات الثقافية الفلسطينية يجدها غنية، مدفوعة بالحافز الوطني لدى عدد هائل من الناس. لكن النتيجة تشظي الجهود، وتوزعها على عدد كبير من الناس، ما يؤدي إلى تكرار كبير. ومثال ذلك، أنك لا تكاد تجد تجمعا فلسطينيا ليس لديه مشروع "للذاكرة الوطنية" والأرشيف الوطني، ما يعني مشاريع متواضعة وقصيرة النفس، تنتهي بانتهاء حماسة القائمين عليها أو التمويل الموجود. والأصل أنّ دوائر منظمة التحرير هي الشبكة التي تنتظم فيها جميع الجهود، بعيدا عن البيانات الموسمية في شؤون مختلفة، خصوصا ما يتعلق بالانقسام الداخلي، وتسجيل المواقف المتنافرة.

[email protected]