دماء في شوارع الأردن

بعد أن ذاع صيت الأردنيين بأننا شعب عابس واجم وصرنا مادة للتندر، أعتقد أننا اليوم سندخل موسوعة جينس بأننا أكثر الشعوب "عنفاً"، وسيضاف لسجلنا أن ما سفك من "دماء" في شوارع الأردن خلال الأسابيع الماضية لا يكاد يمكن مقارنته -باستثناء أماكن النزاع- بأي مكان آخر.

اضافة اعلان

حين تطالع الصحف أو المواقع الإلكترونية تصاب بالذهول من أخبار القتل والانتحار هذا بالإضافة طبعاً لحوادث السير التي تأخذ ضحايا في طريقها أكثر مما تأخذه الحروب.

الكارثة التي تستحق التوقف وتحتاج إلى دراسات علماء الاجتماع والنفس أن حوادث القتل والجرائم التي ترتكب غريبة مقززة ولا تعرف احيانا لماذا حدثت، وتصدمك حد الفجيعة أن بعض الجرائم تقف وراءها دوافع سخيفة ومخجلة..

سأبدأ من جريمة الرابية التي هزت وجدان الناس، أب يقتل زوجته وطفليه وينتحر بعد أن يدخن سيجارة.. ولا تنجو إلا ابنته "مرح" بعد أن عجز الأب عن الإجهاز عليها!

كيف يقتل أب أبناءه.. كيف يجرؤ على أن يفعل ذلك.. من المسؤول عما جرى.. واين نحن كدولة مما جرى، وكم هو منسوب الغضب الذي يختفى تحت الرماد.. وما مصير "مرح" التي رأت بأم عينها ما لا يمكن أن تخفيه ذاكرتها.. كيف يمكن لها أن ترى "المرح" بعد الآن؟!

ويأخذنا مسلسل العنف والدم والرعب إلى مكان آخر وبيت آخر، لا يفصل بين الحدثين إلا أيام، حيث يدخل عم على غرفة ابنة شقيقه فيفرغ رصاص مسدسه في جسدها دون رحمة وهي لا تستطيع حتى الاستغاثة.

جريمتان ارتكبتا بحق هذه الفتاة، الاولى حين اغتصبت ولم تجد من يدافع عنها ويناصرها ويأخذ القصاص لها، والثانية حين قتلت بدم بارد وهي الضحية!

مره أخرى من يوقف هذا المسلسل الدموى تحت "كذبة" الشرف.. من يضع حداً لهذه البطولات الدنكشوتية على أجساد النساء، متى يعاقب هؤلاء على أنهم قتلة لن يجدوا من يشفع لهم قضاة أو مجتمع؟!

والجريمة ذاتها بأسماء جديدة وضحايا جدد تحدث في مأدبا حين تقتل شابة بعد عام لأنها تزوجت من دون موافقة ورضا أهلها، وايضا وخلال أيام من شهر تموز الساخن يقدم شاب في الغور على طعن شقيقته 35 طعنة حتى الموت، ويسلم نفسه للأجهزة الأمنية معلنا نفس العبارة "قتلتها دفاعا عن الشرف".

ما يسمى بجرائم الشرف لا تحدث بهذه الأعداد في أكثر الدول المحافظة التي تحيط بنا، فقد عشت وعملت في دول الخليج لسنوات طويلة ولم أسمع بهذه الجرائم البشعة.

ومن أجل 18 ديناراً يقتل حدثان سائقاً يبلغ من العمر 58 عاما في اربد بطيش غير معهود ولم يترددا في الإقدام على جريمتهما رغم توسلات السائق الذي يكد من أجل لقمة خبز!

ويختتم المسلسل الدموي بحادث سير مروع على طريق السفر، عائلة كاملة بأطفالها ونسائها وشبابها يفرمون تحت العجلات.

نعم كانت أيام دمويه بامتياز، لم نورد كل قصص القتل والانتحار ولم أعرف عدد الضحايا ولكن النتيجة مفزعة وعلينا أن ندب الصوت محذرين من خطر لا يمكن السكوت عنه.

اليمن فيها من الأسلحة بأيدي الناس أكثر من الأردن، ولكنهم لا يفتكون ببعضهم في نزاعات عشائرية ولا يستخدمونها لذبح نسائهم!

كم قطعة سلاح غير مرخصة في الأردن.. كيف وصلت لأيدي المواطنين.. لماذا لا نبدأ حملة لجمع الأسلحة يتعاون فيها الأمن مع مؤسسات المجتمع المدني، وبعدها نضرب بيد القانون كل من لا يمتثل لأوامره حتى تصبح بيوتنا وشوارعنا آمنة.

الآن، وليس غداً، الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني مطالبة بالتدقيق والتحقيق في مشهد العنف الذي يجتاحنا، ومن السذاجة أن نظل نردد بأننا مجتمع متسامح، وآمن ومتكافل وندفن رؤوسنا في الرمال عن مذابح يومية تحدث هنا وهناك!