دمج الطلبة ذوي الإعاقة.. بين الحلم والواقع

أميرة، تلك الطفلة التي لم يتجاوز عمرها الخمس سنوات، ولم تلتحق بأي روضة من رياض الأطفال، تنظر بكل شغف إلى تلك اللحظة التي تحمل فيها حقيبتها المدرسية مثل ابنة جيرانهم وفاء، وتتناول "سندويشتها" ومصروفها اليومي لتذهب إلى المدرسة.اضافة اعلان
أميرة تقضي جزءاً كبيراً من وقتها تلعب مع وفاء التي تحب لعبة المدرسة. ودائماً في اللعبة وفاء هي المعلمة، وأميرة الرائعة هي الطالبة التي تتلقى بكل شغف ما تجود به نفس وفاء لتعليمها إياه.
وفي الوقت الذي تذهب فيه وفاء إلى الروضة، تقف أميرة تنظر إليها من النافذة وتلوح لها بيدها مودعة. وتقضي بقية وقتها أمام التلفاز، أو تمد يد المساعدة بما تستطيع لوالدتها؛ فترتب سريرها، وتمسح الغبار. ثم تجلس بعد ذلك رغم عدم معرفتها بالوقت، تنظر إلى الساعة، حتى يصل عقرب الساعة الكبير إلى الأعلى، والعقرب الصغير إلى الرقم الذي يليه.. هكذا علمتها والدتها، فهو موعد عودة وفاء من الروضة.
تعود ذاكرة أم أميرة إلى اليوم الذي أبلغها فيه الطبيب أن ابنتها تم تشخيصها بـ"متلازمة داون". ولم تكن تدرك ساعتها ماذا يعني ذلك؛ فابنتها أمامها مكتملة الخلقة والحمد لله.
تعبت كثيراً بعدها لتجد من يشرح لها ماذا يعني ذلك، وكيف يمكن لتشخيص طبيب أن يؤثر على مسار حياة ابنتها. مع ذلك، نظرت أم أميرة إلى الحياة بكل تفاؤل، وبدأت مرحلة التأهيل لابنتها، واستشارة الأخصائيين، ومراجعة المراكز المختصة، علها تجد ما يساعدها في تلك المرحلة الحساسة من حياة ابنتها، خاصة عندما قرأت عن أهمية التدخل المبكر في تطور ابنتها والحد من الإعاقة.
"الإعاقة" كلمة كان من الصعب عليها أن تتقبلها. بحثت أم أميرة عن كلمات مرادفة وأخف وطأة، فلم تجد إلا أن ابنتها مختلفة عن غيرها، وهذا الاختلاف لا يعيبها ولا يقلل من شأنها؛ فكلنا مختلفون عن بعضنا، ولكل منا ميزاته التي ينفرد بها عن الآخرين، فلماذا، إذن، لا تقبل بهذا الواقع وتعايشه؟ هكذا حصل...
وبحكم معرفتها وإتقانها للغة الإنجليزية، لجأت أم أميرة إلى المواقع الإلكترونية الأجنبية، علها تجد فيها ما يجيب عن أسئلتها الكثيرة. اطلعت على التجربة البريطانية في دمج الأطفال في المدارس ورياض الأطفال، ووجدت أن البيئة التعليمية تخصص برامج ريادية لتعليم الأطفال وتنمية قدراتهم ودمجهم منذ المرحلة المبكرة في عمرهم، وحتى مراحل تعليمية قد يظنها البعض متقدمة، ولكنها تمكنت من إعداد الطلبة للدمج والعيش المستقل في المجتمع، بتبنيها لبرامج تعليمية وتأهيلية تتناسب مع قدراتهم.
"إذن، يمكن لابنتي أن تحقق حلمها بالذهاب إلى الروضة"، هكذا ظنت أم أميرة. لتواجه بعد ذلك اعتذار مديرة الروضة التي تلتحق بها ابنة الجيران عن استقبال ابنتها، لأن المدرسة غير مهيأة لاستقبالها.
فكرت أم أميرة: غير مهيأة؟!.. مشكلة من هذه؟ ولماذا يجب أن تحرم ابنتي من حقها في التعليم لأن الروضة غير مهيأة؟ ومن قام أصلا بترخيص روضة وهي غير مهيأة؟ ومن يتحمل مسؤولية ذلك؟.. ألم تكفل الاتفاقيات الدولية والقوانين المحلية حق الجميع في الحصول على التعليم، وعدم استبعاد الشخص من أي مؤسسة تعليمية على أساس أو بسبب الإعاقة؟
حاولت أم أميرة مع أكثر من مديرة روضة، لتسجيل ابنتها. وكان الجواب نفسه دائماً؛ الرفض لأعذار مختلفة. لكنها تدرك أن جميع تلك الأعذار تصب في نفس القالب.. "الإعاقة"، كما يسمونها. هل تهاجر من البلد لتتمكن ابنتها من تحقيق حلمها؟.. هل من حل آخر؟
ويبقى السؤال نفسه الذي تطرحه العديد من أمهات الأطفال ذوي الاعاقة عن حق أبنائهن في الحصول على التعليم الذي يكفل حقهم في العيش في مجتمع يتقبل الاختلاف، ويسعى إلى دمج الجميع، حسب ما نصت عليه الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وقانون حقوق الأشخاص المعوقين.
وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها وزارة التربية والتعليم، بصفتها المظلة الأساسية للتعليم في الأردن بموجب القانون، إلا أن تلك الجهود ما تزال متواضعة وعاجزة عن توفير التعليم لشريحة واسعة من أبنائنا من ذوي الاعاقة. وربما أن وزارة التنمية الاجتماعية ومراكزها المتعددة التي تخدم الطلبة ذوي الإعاقة، والجمعيات والمراكز الخاصة التي تم ترخيصها من الوزارة، ما تزال بحاجة إلى تطوير خدماتها وبرامجها بما يضمن وصول الطلبة في النهاية إلى مقاعد الدراسة، أسوة بغيرهم من الطلبة من غير ذوي الإعاقة.. فالطلبة ذوو الإعاقة ليسوا حكرا على تلك المراكز والمؤسسات، وإنما يجب أن يكون التحاقهم بتلك المؤسسات مرحلة تحضيرية وتكميلية لمرحلة أهم، هي التحاقهم بالمدارس.

*رئيس المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعوقين، والمبعوث الخاص لاتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد