دوامة النظام التعليمي.. مرة أخرى!

تحط هذا الأسبوع الامتحانات المدرسية لنحو مليون ونصف المليون طالب للفصل الأول رحالها، ليتنفس هؤلاء الطلبة وعائلاتهم الصعداء بعد أن تحولت البيوت إلى مدارس على مدار الساعة، وباتت الأمهات؛ والآباء أحيانا، إلى مدرسين في كل المواد والمساقات، للعبور الآمن من محطة الامتحان، الذي "يكرم المرء فيه أو يهان"! إذا أردت أن تقيم كفاءة النظام التعليمي ودون أن تكون خبيرا تربويا أو متخصصا بالتعليم وتقنياته، فما عليك فقط إلا ملاحظة كيف تتحول البيوت إلى مدارس والأمهات والآباء إلى مدرسين في فترة ما بعد العصر وفي العطل الأسبوعية، وهو وضع لا يختلف أو يفرق إن كان الطالب من مدرسة خاصة أو حكومية، ما يعكس حقا انتقال دور المدرسة والمعلم إلى الأم والأب والبيت. قبل أيام نشرت "الغد" مقالا مهما وعميقا للخبير التربوي الدكتور ذوقان عبيدات، حول هذه القضية وكيف باتت الواجبات المدرسية في البيت والمطلوب من الأهالي بتدريس ابنائهم، عبئا كبيرا وانعكاسا لخلل تربوي تعليمي بتنا ندور بدوامته في العقود القليلة الأخيرة، وهو مقال كتب مثله وفي نسقه الكثير دون أن نصل حتى الآن لمرحلة إعادة بناء العملية التعليمية لتقف على أقدامها بصورة مستقيمة، لا أن تكون معكوسة مشوهة عمادها الطالب والبيت! كل النقد والهجاء لاعتماد عمليات التلقين بالعملية التعليمية وعدم اللجوء الى تنمية المدارك التحليلية منذ عدة عقود لم يشفع لنا بتطوير النظام التعليمي والارتقاء به حتى الآن، بل وما زال مسلسل الانهيار والتراجع بالمخرجات التعليمية متواصلا، وهي ازمة تمتد وتتشابك مع مخرجات التعليم الجامعي أيضا، لندخل بحلقة مفرغة؛ حيث الجامعات تخرج معلمي مدارس لا يتقنون المهنة ولا التخصص في الغالب، ومدارس ومعلمون يعيدون انتاج التراجع بالتعليم المدرسي، وفي خضم هذه المعادلة تحافظ المناهج والكتب المدرسية على حشوها الزائد، وتركز على الحفظ والبصم وتلفظ التحليل والتفكير الناقد. يكفي النظر الى الحقيبة المدرسية للطالب اليوم، وما تنوء به كتفاه من ثقل وضخامة، لتشعر بوجود خطأ وفشل بالعملية التعليمية برمتها، والمثير أكثر هنا، أن محتوى هذه الحقيبة وما يتبقى من كتب و"كراريس" بالبيت، يقع العبء الأكبر في هضمها وحشو محتوياتها برأس الطالب على كاهل العائلة والأبوين.. والطالب المسكين طبعا، إلى الدرجة التي لم يعد يجد فيها الطالب وقتا للراحة أو للعب أو لتنمية مواهبه ما بعد انتهاء دوامه المدرسي وعودته إلى المنزل! لا نعيد هنا اكتشاف العجلة، ولا نتحدث عما هو غير معروف لكل الأهالي ولكل الخبراء، لكن المثير للأسى ان كل هذا التشخيص وأكثر منه لأزمة العملية التعليمية ما يزال يبحث عمن يلتقطه ليعكسه حلولا ومعالجات وتطويرا حقيقيا، سواء بالعمل على تعديل المناهج والكتب المدرسية بعيدا عن الحشو والتلقين، أو تغيير تقنيات وآليات التدريس وتطوير أداء المعلم وإدارة المدرسة، وعملية الاشراف عليها. لا نريد اختراع المعجزات هنا، بل رؤية وبرنامج عمل ومثابرة في الإنجاز والتغيير والتطوير بصورة علمية، وبشراكة حقيقية مع المجتمع، المتضرر الرئيسي من الواقع الحالي، والمستفيد الرئيسي من أي تطوير وتغيير. ومن المفيد استذكار المستوى التعليمي المهم الذي كان سائدا في المملكة حتى نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، قبل أن يجرف السيل كل القطاعات والمؤسسات، أفليس من حقنا أن نحلم فقط بالعودة لذلك المستوى إن لم نقل أكثر؟!.اضافة اعلان