
عمان- قد تجد الأم في رياض الأطفال ملجأ لحل مشاكلها، ولدور الحضانة مزايا عديدة، ففيها يجد الطفل كل ما يناسبه، ويتمتع بصحبة غيره من الأطفال، وهي تعطي الأم فرصة لمتابعة مشاغلها، وهذا يفيد كليهما، فالأم تستفيد من فترة الراحة، وكذلك الطفل، فهو يقضي وقتاً ممتعاً في بيئة ملائمة له.
ويستفيد الطفل صحياً، فهو يتعلم عادات كثيرة نافعة بطريقة محببة، فيمشط شعره ويغسل وجهه وينظف أسنانه، مقلداً غيره من الأطفال، فهو يأكل طعامه، ويشرب كوب اللبن، ويستريح بعد الظهر، ويتعلم الاستقلال والقيام ببعض الأعمال بمفرده.
وهذه البيئة مخصصة لإكساب الطفل القيم الاجتماعية السائدة، التي تتناسب مع سن الطفل وتفكيره في جمع المعدات والأدوات واللعب الموجودة، وقد روعي في وضع البرنامج اليومي، منح الطفل أكبر قدر ممكن من الحرية تحت رقابة شديدة، وهذا يمنعه من الشعور بالفقدان أو الانزعاج ويمنحه شعوراً بالأمن.
ويتحرك الطفل بحرية تامة حينما يكون لديه المكان الواسع، وهو حر في اختيار العمل الملائم لـه واللعبة التي يرغب في اللعب بها منفرداً، أو مع غيره من الأطفال، وهو حر في الإمساك بالأشياء التي تثير اهتمامه واختيارها، ولا يعاني من الإحباطات التي تسببها بيئة الراشدين له، وهذا يساعده على أن يكيف نفسه مع هذا المجتمع، وينام فيبقى هادئاً أثناء نوم زملائه.
ومهما بلغت دور الحضانة من مرتبة عالية في رعاية الأطفال، فإنها لن تحل محل رعاية الوالدين والبيئة المنزلية بالنسبة للطفل، وإذا تعاونت الأم مع دار الحضانة، ويسرت لها نشاطاتها ومجهوداتها، فإن النتيجة ستكون بالغة الأهمية، لأنه إذا وجد الطفل اختلافاً واضحاً بين بيئة الحضانة وبيئة المنزل، فلن يحصل على الكسب الكامل منهما، فهو يحتاج في هذه السن المبكرة لبيئة مستقرة. ويزعجه بل ويغضبه اختلاف المعاملة التي يلقاها في البيئتين، ومن واجب الأم أن تعرف كل شيء عن أسلوب الحضانة في تعاملها مع طفلها ومدى استجابته لها، مما يدعوها إلى أن تصادق مدرسته وتستمع إلى نصائحها، فالمدرسة لا تلاحظ سوء التغذية والتعب أو أي نقص في حاجات رعاية تغذيته ونمو جسمه، ولكنها تلاحظ أيضاً حالات الصراعات غير المحلولة والمخاوف والأحزان.
إعداد الطفل للمدرسة
إذا كانت الأم قد أحسنت توجيه طفلها خلال السنوات السابقة، فعلمته كيف يكون مطمئناً وهو بعيد عنها وعن أبيه، كما علمته أيضاً كيف يكون اجتماعياً، قادراً على تكوين صداقات، وعلى اللعب مع رفاقه وعلى الاندماج في الجماعة، فسيكون ذهابه إلى رياض الأطفال سهلاً كخطوة يترقبها هو، بل قد يعمد هو لاستعجالها. أما إذا كان تمسك الطفل بأمه ما يزال شديداً، فستكون الفترة الأولى لذهابه إلى رياض الأطفال عصيبة، وذهابه يعني بالنسبة لـه الانفصال عن المنزل الذي يجد فيه الأمان والطمأنينة، ولعل أصدق تشبيه لهذه الفترة هي فترة الفطام، فكما أن الفطام ضروريٌّ لنمو الطفل، فالذهاب إلى رياض الأطفال ضروري أيضاً.
وهذه بعض الاقتراحات التي يحسن استخدامها لأنها تفيد في مرحلة رياض الأطفال:
– أن يتناول الحديث مع الطفل أو أمامه؛ المدرسة والألعاب التي تمارس فيها وحديقتها والمربيات والمربين والمشرفين والمشرفات والإداريين ومدى حب هؤلاء للأطفال. والحديث عن المتعة التي ستتوفر له أثناء الفسحة، والأغاني والأناشيد التي تُعلِّمها المدرسة، إلى غير ذلك من الظروف التي تثير اهتمام الطفل بالمدرسة بدون مبالغة، حتى لا يفاجأ الطفل بالواقع الذي يجده مخالفاً لما فهمه من أبويه ورسمه في مخيلته.
– أن يُمرَّنُ الطفل على الابتعاد عن المنزل بصحبة أشخاص آخرين غير أمه وأبيه حتى يتعود على ذلك.
– العمل على غرس روح الاطمئنان على منزله وممتلكاته، وعلى والديه وإخوته، فعندما يعود يجد كل شيء بانتظاره.
– يحسن أن يفهم الطفل أن والديه وأمه على وجه الخصوص ليسا في خطر إذا تركهما طويلاً ولن يصيبهما مكروه بابتعاده عنهما، وأن الحماية التي يحتاجها منهما متوفرة، وهذه الحماية تزداد أكثر بتردده على المدرسة وتعلمه فيها.
والواقع أن الطفل يتخذ من نفسه دور الأب أحياناً ويعيش هذا الدور، لذلك يجب أن يفهم بأن الأب يذهب أيضاً إلى عمله، وهو بذلك يقوم بواجبه، وقد يكون خوف الطفل على أمه نتيجة لخوفه على نفسه، لذا فعلى الأم استخدام لباقتها ووسائل إقناعها لإزالة هذه المخاوف.
– يستحسن أن تزور الأم مع طفلها المدرسة قبل الدراسة وتعرفه بها، وبالقائمين على إدارتها إذا أمكن.
– يجب أن تعلّم الأم طفلها اسمه الكامل، الاسم الذي سينادى به، وليس اسم التدليل وتعوده على ذلك من قبل، ويحسن أن تكتب اسمه على بطاقة وتعلقها على صدره في الأيام الأولى.
– الذهاب إلى المدرسة في اليوم الأول يكون سهلاً بدافع الرغبة بحب الاستطلاع، ولكن اليوم الثاني يكون أكثر حرجاً، فقد يتمارض الطفل ويزول هذا التمارض بمجرد فوات موعد الذهاب إلى المدرسة، وقد يمرض فعلاً، لذلك فعلى الأم أن تُعِدَّ نفسها لاستقبال مثل هذا التصرف بحكمة وبصدر واسع، وتبحث عن الأسباب وتحاول تذليلها بدون أن تضايق طفلها، وبدون أن تحدث ضجة في العائلة حول موقف طفلها ولْتُثِرْ إحساسه بكرامته بأن المدرسة طريق كل الأطفال والامتناع عن الذهاب إليها لا يليق به.
– حينما يعود الطفل من المدرسة يجب أن تستقبله استقبالاً عادياً، وألا تقص عليه ما قامت به من أعمال أو تصرفات أثناء وجوده في المدرسة، حتى لا يشعر بأنه قد فاته الكثير بذهابه إلى المدرسة.
– ومن المهم جداً أن يكون هناك تعاون وتفاهم بين المدرسة والمنزل، حتى لا يشعر الطفل مطلقاً بالوحدة بين جدران المدرسة، ولتعلم الأم وأفراد الأسرة أن الأيام الأولى لذهابه إلى المدرسة تحدِّد إلى حدٍ كبير علاقته مستقبلاً بالدراسة والتعليم.
عبد العزيز الخضراء
كاتب وباحث تربوي