دولة الشريعة!

تحدثنا أمس عن تعبيرَي "الدولة العلمانية" و"الدولة المدنية" اللذين تم تداولهما قبولا أول من أمس في مداخلات مفكرَين إسلاميين، هما الدكتور الكبيسي والبشير. وأمس، استمعنا إلى تعبير جديد من قبل الأستاذ محمد الطلابي، من حزب العدالة والتنمية المغربي، هو "دولة الشريعة".

اضافة اعلان

وحزب العدالة والتنمية يتحول الآن إلى أحد أكبر الأحزاب المغربية، بل وتشير استطلاعات حول الانتخابات القادمة 2007 إلى انه مرشح لأن يكون أكبر الأحزاب المغربية. لكن كثيرين في المغرب يرون فيه حزبا أصوليا، لا يمكن مقارنته مع شبيهه بالاسم "حزب العدالة والتنمية" التركي بزعامة اردوغان.

ومع أن ممثل الحزب تقاسم مع الآخرين على المنصّة التنظير لمفهوم الوسطية في الإسلام، فقد ظهر التباين واضحا عندما اقترب الأمر من ترجمة المفاهيم العامّة إلى سياسات وخيارات عملية، وكما في محطّات السابقة، لم يكن الوقت المتاح كافيا لتقصّي هذه التباينات، واستجلاء الفواصل والتخوم بينها.

وعلى نفس المنصّة، كان هناك ممثل حزب مغربي إسلامي آخر، هو السيد محمد الأيمن من "حزب البديل الحضاري"، يتحدث بلغة كان التباين فيها واضحا مع زميله؛ وقد تحدث عن المشاركة في مؤسسات أوروبية، وعن الائتلاف مع اليسار، ولم يضع أي شروط مسبقة لطبيعة الدولة باستثناء التكوين الديمقراطي.

لم يذهب ممثل حزب العدالة المرشح للحكم في المغرب بعيدا في شرح مفهوم "دولة الشريعة"، لكنه بناء على سؤال قال: إن "دولة الشريعة" هو التعبير الأصح والأفضل الذي يركّب مفهومي "الدولة المدنية" و"الدولة الدينية" معا. وقال: إن الإسلام بطبيعته يتميّز بعدم وجود سلطة مراتبية دينية على غرار الأكليريكية المسيحية، وبالتالي فلا وجود فيه للدولة الثيوقراطية.

في الواقع، لدى الشيعة نوع من المراتبية لرجال الدين، لكن في كل الأحوال فإن وجود فئة تمارس الحكم المطلق باسم الله والدين لن يبتعد كثيرا عن مفهوم الدولة الثيوقراطية.

إلا أن حزب العدالة، كما هو بائن، لا يرفض الديمقراطية، لكنه يحدد لها سلفا طبيعة معيّنة (دولة شريعة)؛ فهل يمكن في دستور وآليات ديمقراطية فرض رؤية مسبقة؟ وإذا افترضنا أن هذا سيضمنه واقعيا وجود أغلبية دائمة تريد وتصوت على مرجعية الشريعة، فماذا لو كانت الدولة تمثل خليطا دينيا، أو أن المسلمين أقل من نصف السكان، أو أنهم أكثر قليلا من النصف، لكن بعضهم ينحاز الى رأي آخر؟ من الواضح إن فكرة الطلابي لا تجيب عن كل الأسئلة، وقد يكون أن هذا الجواب النظري لا يفكّر خارج الحدود للإجابة عن ظروف مختلفة أخرى، بل يتوسل مصلحة شعبوية محلية. وفي هذا الصدد، كان السوداني د. البشير قد علّق محذرا من الانجرار وراء ضغط إرضاء المحكوم كما الحاكم، بحثا عن الشعبية، أو تساوقا مع موجة سائدة، وروى قصّة طريفة هي أن شخصا عبّر عن عتبه قائلا: والله لم يعجبني كلامك يا دكتور، فقال له: وأنا لا أقدم فقرة في برنامج ما يطلبه المستمعون.

[email protected]